الحمد لله.
أولا :
حب النبي صلى الله عليه وسلم وذِكره بالأوصاف الحسنة خَلقا وخُلقا من الإيمان ،
ولكن الغلو في الإطراء فيه مما نهى عنه صلى الله عليه وسلم ، فأخرج البخاري (3445)
عن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لاَ تُطْرُونِي ، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ
، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ ، وَرَسُولُهُ ) .
والإطراء : الإفراط في المدح ومجاوزة الحد فيه .
وروى الإمام أحمد (12551) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا
مُحَمَّدُ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا ، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا ،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
عَلَيْكُمْ بِتَقْوَاكُمْ ، لَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ، أَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ ، وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ
تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (1097) .
والحديث في هذا الباب كثيرة .
ثانيا :
كان النبي صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صورة ، وأبهاهم منظرا .
فروى البخاري (3549) ، ومسلم (2337) عن البَرَاءَ ، قال : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُم
خَلْقًا ) .
وروى الترمذي (2811) وحسنه ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : ( رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ -
مضيئة - فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِلَى القَمَرِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي
أَحْسَنُ مِنَ القَمَرِ ) .
وروى البخاري (3556) ، ومسلم (2769) عن كَعْب بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قال : (
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ
وَجْهُهُ ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ ) .
وينظر إجابة السؤال رقم : (10452)
.
وقد أوتي صلى الله عليه وسلم
من كمال الصفات الحسنة والأخلاق السامية ، مع ما كان عليه من تمام التقوى وعبادة
الله وخشيته ما لا مزيد عليه ، ولا ما يقاربه فيه أحد
فروى البخاري (6203) ، ومسلم (659) عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا ) .
وروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: (
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ
النَّاسِ ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ) .
قال الحافظ رحمه الله :
" فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَى الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ
وَالشَّهْوَانِيَّةِ ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَى الْغَضَبِيَّةِ ، وَالْجُودُ
يَدُلُّ على الشهوانية ، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ
الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ
عَلَى الْعَقْلِ ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ " انتهى .
ثالثا :
مع ما سبق تقريره : فإن إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جمال الكون :
إطلاق غير معهود في نصوص الشرع ، ولا في كلام أهل العلم ، ثم إنه إطلاق فيه نظر ؛
فإن الجمال في الكون نسبي ، فللإنسان جمال يخصه ، وللحيوان جمال يخصه ، وللطيور
جمال يخصها ، وللنبات جمال يخصه ، وللبنيان جمال يخصه ، وللأفلاك جمال يخصها ،
وهكذا .
وقد أوتي النبي صلى الله عليه وسلم من جمال البشر ما يليق بمثله صلى الله عليه وسلم
: فكان أكملهم في خَلْق ، وفي خُلُق ؛ وما سوى ذلك زيادات من استهواء الشياطين
للبشر ، واستجرائهم لهم ، ولا حاجة إليها ، ثم لا تعلق لها بشيء من علم نافع ، ولا
عمل صالح .
وينظر : إجابة السؤال رقم :
(4509) .
والله أعلم .