الحمد لله.
وللجمع بين الحديث الأول
والحديثين بعده وما في معناهما عدة أوجه ، منها :
أولا :
أن يكون المراد بقيام الساعة حصول أشراطها الكبرى المؤذنة بقرب قيامها ؛ قال تعالى
: ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ
أَشْرَاطُهَا ) محمد/ 18؛ فيكون المعنى : لا يمنعكم قرب قيام الساعة من العمل
والسعي في الأرض وعمارتها .
قال المناوي رحمه الله :
" أَرَادَ بِقِيَام السَّاعَة أماراتها بِدَلِيل حَدِيث : " إِذا سمع أحدكُم
بالدجال وَفِي يَده فسيلة فليغرسها فَإِن للنَّاس عَيْشًا بعد " ، ومقصوده الْأَمر
بالغرس لمن يَجِيء بعد ، وَإِن ظَهرت الأشراط وَلم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا
الْقَلِيل " انتهى من "التيسير" (1/ 372) .
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (480) عن داود بن أبى داود قال : " قال لي عبد الله
بن سلام : إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على وَدِيَّة تغرسها ، فلا تعجل أن تصلحها ؛
فإن للناس بعد ذلك عيشا " .
ثانيا :
أنه كلام خرج منه صلى الله عليه وسلم مخرج ضرب المثل الذي يراد لمعناه ، فكأنه يقول
: إذا يئست من ثمرة العمل أن تحصلها ؛ فلا تترك العمل ، عسى أن تنفع ثمرته غيرك ،
فلا يقتصر همك في الحياة على مجرد حاجاتك ، ولكن اعمل لك ولمن بعدك .
عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : " سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي : ما يمنعك أن
تغرس أرضك ؟ فقال له أبي : أنا شيخ كبير أموت غدا ، فقال له
عمر : أعزم عليك لتغرسنها ؟ فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي ".
انظر "الصحيحة" (1 /8) .
راجع للفائدة إجابة السؤال
رقم : (11902) ،
والسؤال رقم : (91794)
.
والله أعلم .