التنمية البشرية والعقل الباطن
أنا طالب علم في العقيدة ، وأعلم أن علم التنمية البشرية هو علم غير شرعي ، لا يجوز العمل به ، ولا تعلمه .
وعندي استفسار هو : ما حكم من يعتقد بفكرة العقل الباطن ، هل هو خارج عن الملة ، أم إنه مذنب ، أم ما هو الحكم الصحيح فيه ؟
الجواب
الحمد لله.
نصيحتنا لك – وأنت طالب علم مختص في العقائد – أن لا تطلق الأحكام الشرعية مباشرة
على الأسماء والألقاب المجملة ، التي يدخل في مضمونها العديد من التصورات والأفكار
والنظريات ، وتنتشر مفرداتها على مساحة واسعة من التنوع والتعدد .
وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وإنما تقع الشبهة لأن أكثر الناس
لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم ؛ لما فيه من الألفاظ المجملة والمشتركة ، بل وهم
أيضا لا يفهمون حقيقة ما يقصدونه ويقولونه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (2/ 138) .
ويقول أيضا : " وأما الألفاظ المجملة : فالكلام فيها بالنفي والإثبات ، دون
الاستفصال : يوقع في الجهل والضلال ، والفتن والخبال ، والقيل والقال ، وقد قيل :
أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء " انتهى من " منهاج السنة النبوية " (2/
217) .
فمصطلح " التنمية البشرية " يعرف بأنه " عملية توسيع القدرات التعليمية ، والخبرات
للشعوب ، والمستهدف بهذا هو أن يصل الإنسان بمجهوده ومجهود ذويه ، إلى مستوى مرتفع
من الإنتاج والدخل ، وبحياة طويلة وصحية ، بجانب تنمية القدرات الإنسانية ، من خلال
توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات " (موقع ويكيبيديا)
http://ar.wikipedia.org/wiki/تنمية_بشرية
فهو علم متكامل له حضوره في الجامعات العلمية والمراكز البحثية ، تعتني به الأمم
والدول والشعوب ، يساعد على رصد الواقع وحالته العرضية أو المرضية ، للبحث عن
الحلول الناجحة للارتقاء بالإنسان في مختلف مجالات الحياة . والدول الحية تعمل
اليوم جاهدة على استصدار تقارير التنمية البشرية السنوية ، كما تصدرها الأمم
المتحدة على المستوى العالمي ، تبذل فيه جهودا هائلة من الرصد والمتابعة ، وتحليل
البيانات والإحصائيات ، كل ذلك لغرض التطوير والتحسين .
وقد ظهرت فيه أيضا كتابات تنظر للتنمية بالمنظار الإسلامي الشرعي ، كمثل كتاب
الدكتور عبد الكريم بكار "مدخل إلى التنمية المتكاملة" ، ومنها كتاب " الإسلام
والتنمية الاجتماعية " للدكتور محسن عبد الحميد ، من إصدارات المعهد العالمي للفكر
الإسلامي . وأصدر المعهد أيضا كتابا بعنوان " فلسفة التنمية رؤية إسلامية " لمؤلفه
إبراهيم أحمد عمر ، وللباحثة سماح الغندور دراسة جامعية في الدراسات العليا في
جامعة غزة بعنوان " التنمية البشرية في السنة النبوية ". ومن أهم البحوث المعدة في
هذا الشأن كتاب " المنظور الإسلامي للتنمية البشرية " لأسامة العاني ، من إصدارات
مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، تناول مفهوم التنمية من الجهة
الاقتصادية ، وبين اهتمام الإسلام بها ، وحرص على ذكر تطبيقات التنمية البشرية من
السنة النبوية المطهرة .
وإنما يبقى الحديث عن " العقل الباطن " أو ما يسمى أيضا بـ " اللاوعي "، فهو
المصطلح المجمل الذي يحتمل – في نظرنا – احتمالين لا بد من تفصيلهما وبيان كل منهما
:
الاحتمال الأول :
هو مفهوم نشأ أول ما نشأ في فروع الطب النفسي ، يقترب كثيرا من معنى " النفس "، أو
" القلب "، أو " الإرادة "، أو " الروع "، أو " الذاكرة "، ونحوها من المفاهيم التي
نعرف من معانيها قاسما مشتركا متعلقا بمخزن الأفكار والتصورات ، والمشاعر والأحاسيس
، في النفس الإنسانية .
جاء في " موسوعة ويكيبيديا " على الإنترنت تعريفهم للعقل الباطن بقولهم :
" هو مفهوم يشير إلى مجموعة من العناصر التي تتألف منها الشخصية ، بعضها قد يعيه
الفرد كجزء من تكوينه ، والبعض الآخر يبقى بمنأى كلي عن الوعي ، وهناك اختلاف بين
المدارس الفكرية بشأن تحديد هذا المفهوم على وجه الدقة والقطعية ، إلا أن العقل
الباطن على الإجمال هو : كناية عن مخزن للاختبارات المترسبة بفعل القمع النفسي ،
فهي لا تصل إلى الذاكرة. ويحتوي العقل الباطن على المحركات والمحفزات الداخلية
للسلوك ، كما أنه مقر الطاقة الغريزية الجنسية والنفسية ، بالإضافة إلى الخبرات
المكبوتة ، القوانين الحاكمة " انتهى.
http://ar.wikipedia.org/wiki/عقل_باطن
وجاء في "الموسوعة العربية العالمية" ـ في مصطلح "اللاوعي" ، وهو العقل الباطن :
" اللاوَعْي مصطلح في علم النفس لوصف العمليات العقلية والأفكار والتصورات والمشاعر
التي تدور في عقول الناس دون إدراك منهم . " انتهى .
فمن أطلق " العقل الباطن " وأراد به هذه الأمور ، فلا حرج عليه في ذلك ، ولا يلحقه
ذم ولا تثريب ، من هذا الوجه ؛ بشرط أن تكون تطبيقاته العملية مقبولة : مما يشهد
لها العقل والتجربة بالصحة والقبول ، وتتوافق مع أصول الشرع ، أو ـ على أقل تقدير ـ
: لا تصادمها ، ولا تخرج عن شيء من التصورات والأحكام الشرعية ، وقد جرى استعمال
هذا المصطلح على ألسنة كثير من الكتاب والمفكرين والمصنفين الإسلاميين .
الاحتمال الثاني :
استعمال " العقل الباطن " على سبيل " المفهوم الفلسفي الباطني "، بحيث يكون وسيلة
للتواصل مع " الوعي الكوني "، يستقي منه معارف خاصة ، وعلوما غيبية ، تماما كما هي
نظرية ابن عربي ، الذي قرر مفهوم انعكاس العلوم الغيبية – ومنها علوم اللوح المحفوظ
– على النفس الباطنة التي تجردت من عوارض البشرية عبر مجموعة من الخطوات والممارسات
.
ولا شك أن هذا باب من أبواب فساد الفكر والتصورات ، وهي أساس العقائد الباطنية
المنحرفة ، وسبيل للغواية والضلالة .
والإشكال أيضا يتطرق إلى مصطلح " العقل الباطن " من جهة كثير من التطبيقات العملية
عليه ، أكثر من المصطلح نفسه ، لكن المصطلح غالبا ما يتأثر بفساد الممارسات ، على
الأقل لدى القطاع المؤمن بتلك الممارسات الخاطئة .
فبعض التطبيقات التي يمارسها المنتسبون إلى " البرمجة العصبية " يشوبها الكثير من
المجازفات التي لم يثبتها العلم الحديث ، ولم يأت بها الشرع الشريف ، كدعوى علاج
الأخلاق السيئة والممارسات المشينة في جلسة واحدة يدخل فيها المعالج إلى " العقل
الباطن " فيستل الجزء الباعث على ذلك الخلق السيئ المعين ، ويعيد البرمجة من جديد
ليستبدل خلقا حسنا مكانه . كل ذلك بكلام مرسل من غير إثبات تجريبي متزن – كما هي
سائر العلوم التجريبية – ولا مستند شرعي مقبول . وكذلك دعوى " قانون الجذب " الذي
يمكن " العقل الباطن " من خلاله تغيير الأشياء من حوله ، من غير بذل للأسباب ولا
عمل بسنن الكون المعروفة ، ونحو ذلك من المبالغات التي لا ننكرها جزافا بقدر ما
ندعو المعتقدين بها إلى احترام العقل التجريبي الذي هو شرط الإيمان بالتأثير الكوني
، بعد العقل الشرعي .
هذا ما يمكننا تأصيله في هذا المقام ، وقد قام بعض الباحثين المعاصرين بجمع أمثلة
على المفاهيم المغلوطة للعقل الباطن ، يمكن الاستفادة منها والرجوع إليها على هذا
الرابط :
http://www.saaid.net/Minute/632.htm
ووفي موقعنا ينظر : (118292)
، (121011) .
والله أعلم .