إن كان زوجي متكاسلاً عن الصلاة ، ويشرب المحرمات من حشيش وخمر ، وعقد قرانه بامرأة أخرى ، ولكن لم يدخل بها بعد ، فهي في بيت والدها .
فهل عليَّ إثم إن لم أنبهها بطريقة غير مباشرة عن حال زوجي؟ أم يجب عليَّ الصمت لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام (من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله يوم القيامة) ؟
يشرع الستر على المسلم إذا وقع في المعصية ، ونصحه ، والدعاء له بالهداية .
ولكن إذا كان معروفاً بارتكاب الكبائر وسوء الخلق والعشرة ، وأراد معاملة أحد من
الناس بعقد شراكة أو زواج ، فالواجب على من يعلم حاله أن ينصح الطرف الآخر ويبين له
حقيقة هذا الرجل ، وما هو عليه من ذميم الصفات والأفعال ، وهذا من النصيحة الواجبة
، وليست من الغيبة المحرمة .
وقد روى مسلم (55) عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) .
قُلْنَا لِمَنْ ؟
قال : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَامَّتِهِمْ ) .
قال ابن الأثير رحمه الله : " نَصيحة عامّة المسلمين : إرشادُهم إلى مصالِحِهم " .
انتهى من "النهاية" (5 /142) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" يَجِبُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَلِمَ بِالسِّلْعَةِ عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ
مُرِيدَ أَخْذِهَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهَا ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا
رَأَى إنْسَانًا يَخْطبُ امْرَأَةً وَيَعْلَمُ بِهَا أَوْ بِهِ عَيْبًا ، أَوْ
رَأَى إنْسَانًا يُرِيدُ أَنْ يُخَالِطَ آخَرَ لِمُعَامَلَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ
قِرَاءَةِ نَحْوِ عِلْمٍ وَعَلِمَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا أَنْ يُخْبِرَ بِهِ وَإِنْ
لَمْ يُسْتَشَرْ بِهِ ، كُلُّ ذَلِكَ أَدَاءٌ لِلنَّصِيحَةِ الْمُتَأَكِّدِ
وُجُوبُهَا لِخَاصَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " .
انتهى من " الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2 /127) .
وقال ابن باز رحمه الله : " وهذا ليس من باب الغيبة ولا من باب النميمة ، لكنه من
باب النصيحة لله ولعباده ، فالناصح لا يسمى مغتابا .
والنبي صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة بنت قيس، تقول: يا رسول الله إنه خطبني
فلان، وخطبني فلان، نصحها، وقال لها: أما فلان فلا يضع عصاه عن عاتقه - أي ضراب
للنساء - وأما فلان فصعلوك لا مال له ) رواه مسلم ، فنصحها ولم يكن هذا غيبة مع أنه
سماهم، قال: فلان وفلان، معاوية وأبو جهم.
فالمقصود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصحها وبين أن هذين الرجلين لا
يصلحان لها، وأشار عليها بأسامة بن زيد، فدل ذلك على أن الناصح لا يسمى مغتابا ولا
نماما، يقول لك: لا تقرب فلانا ولا تجالس فلانا ؛ لأنه يفعل كيت وكيت ، وأخشى عليك
منه فلا حرج في هذا " انتهى باختصار من "فتاوى نور على الدرب" (2/ 375-376) .
ولا يتعارض هذا مع حث الشريعة على الستر.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإن المراد بذلك من كان في ستره مصلحة ، وأما
من كان ستره يزيده في الشر والتوغل في العدوان فإن ستره في هذه الحال لا يجوز " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (21/ 2) بترقيم الشاملة .
وينظر جواب السؤال رقم : (111911) .
فعلى ما تقدم :
فمن حق هذه المرأة عليك أن تبيني لها حال هذا الزوج ، لأن ذلك من النصيحة الواجبة ،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة ) ، ولا يؤمن العبد حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه من الخير ، وحتى يكره لأخيه ما يكره لنفسه من الشر .
وكان ينبغي عليك أن تبادري بالنصيحة قبل عقده عليها ، إلا أن حصول العقد لا يسقط
حقها من النصح والبيان .
فعليك أن تبيني لها حاله السيئة في الدين والخلق ، وأن تجتهدي كثيراً في مجاهدة
نفسك على أن لا يكون الحامل لك على هذا البيان : الغيرة من الزوجة الثانية ، أو
السعي في إفشال الزواج الثاني ، وإنما يكون الباعث لك على ذلك : النصيحة المحضة
التي تريدين بها وجه الله .
وعليك استعمال الحكمة في هذه النصيحة حتى لا يظهر لأحد أنك إنما تفعلين ذلك مضارة
بها .
والله أعلم .