الحمد لله.
ثانيا :
الأكل في السوق ليس له حكم واحد ، بل هو يختلف باختلاف الأسواق وأحوالها ، وعوائد
البلاد وأعرافها ، ويختلف أيضا من شخص إلى شخص آخر ، فما يقبله الناس ، في معتاد
أحوالهم ، من شخص ، قد لا يقبلونه من غيره ، ويعدونه خارما لمروءته .
قال الغزالي رحمه الله :
" الأكل في السوق تواضع وترك تكلف من بعض الناس فهو حسن ، وخرق مروءة من بعضهم فهو
مكروه ، وهو مختلف بِعَادَاتِ الْبِلَادِ وَأَحْوَالِ الْأَشْخَاصِ ، فَمَنْ لَا
يَلِيقُ ذلك بسائر أعماله : حمل ذلك على قلة المروءة وفرط الشِّرِه ، ويقدح ذلك في
الشهادة ، ومن يليق ذلك بجميع أحواله وأعماله في ترك التكلف : كان ذلك منه تواضعاً
" انتهى من "إحياء علوم الدين" (2/ 19).
وبناء على ذلك :
فلا حرج على من أكل في الفنادق أو المطاعم ، من حيث الأصل ، إذا كان ذلك معتادا في
بلده ، أو مقبولا من مثله .
ومن لا يعتاد منه ذلك ، أو يأنفه أهل المروءات في بلده : فلا ينبغي له أن يدخل مثل
هذه الأماكن ، إلا لحاجة ، كأن يكون على سفر ، أو شغل زائد ، أو نحو ذلك .
والذي يظهر أن الأمر في ذلك
صار أسهل في عامة البلدان ، ولم يعد فيه ما يخالف فعل أهل المروءات .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أدركنا أنّ الأكل في السوق من أقبح ما يكون ، الآن الأكل في السوق عادة ، المطاعم
موجودة منتشرة في الأسواق ؛ لكن ظهر عادة سيئة عند المترفين من بني جنسنا ، بدأت
بعض العوائل الآن مع الأسف لا تطبخ في بيتها ، إذا جاء وقت الغداء خرج الرجل
بعائلته إلى المطعم ، وجلس في المطعم يأكل هو وعائلته ، وكذلك حوله الناس ! تقليدا
لمن ؟!
تقليدا للغربيين ، وهذه عادة سيئة ؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يتحدث كما ينبغي ، وكما
يريد بحضرة الناس ، ثم إنّ غالب هؤلاء تجد النساء منهم متبرجة كاشفة وجهها ، وربما
تضحك إلى أختها ولا تبالي والعياذ بالله .
فيه ناس وسط صاروا لا يطبخون في بيوتهم ولكن يأتون بالطبخ من الخارج ويأكلونه في
البيت ، وهذه أيضا عادة سيئة ؛ أيما أولى أن تطبخ طبخا أنت الذي تتولاه وتطبخه على
مزاجك ، وعلى مذاقك ، وآمِنٌ من أن يكون قد عفّن وأعيد طبخه مرة ثانية ، وآمن من أن
يكون فيه أشياء محذورة ، أو أن تأخذ من المطاعم ؟!
لا شك أن الأول أولى بلا شك ، لكن مع الأسف : الإنسان إذا اختار شيئا أو هوى شيئا
أعماه الهوى عن الأفضل ، وعن الحق " انتهى .
http://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=104412&page=3
ثالثا :
من احتاج إلى دخول المطاعم أو الفنادق ، فالواجب عليه أن يحذر من المخالفات الشرعية
، والفتن والمنكرات التي تشيع في مثل هذه الأماكن .
وبعض أهل العلم إنما منع من ذلك ، لا لكونه ممنوعا في أصله ، بل لما يجر إليه من
فساد وفتن ، تكثر في مثل هذه الأماكن .
قال القرطبي رحمه الله :
" قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : أَمَّا أَكْلُ الطَّعَامِ فَضَرُورَةُ الْخَلْقِ ،
لَا عَارَ وَلَا دَرْكَ فِيه ِ، وَأَمَّا الْأَسْوَاقُ فَسَمِعْتُ مَشْيَخَةَ
أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ : لَا يَدْخُلُ إِلَّا سُوقَ الْكُتُبِ وَالسِّلَاحِ ،
وَعِنْدِي أَنَّهُ يَدْخُلُ كُلَّ سُوقٍ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، وَلَا يَأْكُلُ
فِيهَا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِسْقَاطٌ لِلْمُرُوءَةِ وَهَدْمٌ لِلْحِشْمَةِ .
قُلْتُ : مَا ذَكَرَتْهُ مَشْيَخَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَنِعِمَّا هُوَ ، فَإِنَّ
ذَلِكَ [يعني : سوق الكتب والسلاح] خَالٍ عَنِ النَّظَرِ إِلَى النِّسْوَانِ
وَمُخَالَطَتِهِنَّ ، إِذْ ليس بذلك مِنْ حَاجَتِهِنَّ .
وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ الْأَسْوَاقِ فَمَشْحُونَةٌ مِنْهُنَّ ، وَقِلَّةُ
الْحَيَاءِ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِنّ َ، حَتَّى تَرَى الْمَرْأَةَ فِي
الْقَيْسَارِيَّاتِ وَغَيْرِهِنَّ قَاعِدَةً مُتَبَرِّجَةً بِزِينَتِهَا ، وَهَذَا
مِنَ الْمُنْكَرِ الْفَاشِي فِي زَمَانِنَا هَذَا . نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ
سَخَطِهِ " انتهى من "تفسير القرطبي" (13/ 17).
راجع للفائدة إجابة السؤال السؤال رقم : (32736) ، ورقم : (13025) ، ورقم : (130671) .
والله أعلم .