الحمد لله.
واعلم أن هذه المسألة (
نجاسة الكحول ) مسألة خلافية – كما تعلم - وهذا الذي ذكرناه من عدم نجاستها هو
الراجح ومن أراد أن يمتنع عن استعمالها تورعا فله ذلك وهو مستحب ؛ لأن الخروج من
الخلاف مستحب كما نص عليه أهل العلم , قال ابن السبكي " فكان القول بأن الخروج من
الخلاف أفضل ثابتا من حيث العموم، واعتماده من الورع المطلوب شرعا " انتهى من
الأشباه والنظائر للسيوطي (1/137).
لكن إن تعارض هذا مع طاعة الوالدين فطاعة الوالدين أولى ؛ لأن طاعتهما واجبة
والواجب مقدم على المستحب , حتى أوجب كثير من أهل العلم طاعة الوالدين في فعل
الشبهات , جاء في الفروق للقرافي (1 / 143): " قال الغزالي في الإحياء أكثر العلماء
على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات دون الحرام ، وإن كرها انفراده عنهما في
الطعام : وجبت عليه موافقتهما ، ويأكل معهما ؛ لأن ترك الشبهة مندوب وترك طاعتهما
حرام والحرام مقدم على المندوب " انتهى.
وعلى هذا : فلا ننصحك بإثارة هذا الموضوع في بيتكم ، بل ننصحك بالإعراض عنه وموافقة أهلك بغسل ملابسك معهم , بحيث لا تثور الضغائن بينك وبينهم ، ولو أمكنك أن تشتري لهم شيئا من المنظفات الخالية من الكحول ، ليستعيضوا بها عن الأنواع المختلطة بالكحول ، فهو أحسن ، وأبعد عن النزاع بينكم .
ثانيا:
الواجب على المسلم أن يجتنب النجاسات ومباشرتها في كل وقت وحال , خارج الصلاة
وداخلها , من هنا ذكر فريق من أهل العلم أن التلطخ بالنجاسات – لغير حاجة - محرم
ولو كان خارج الصلاة , جاء في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (8 / 441) : "التضمخ
بالنجاسة حرام لا يباح بحال إلا لضرورة" انتهى.
وقد ورد الوعيد الشديد في الشرع لمن لم يتنزه عن البول ويستبرىء منه , فعن ابن عباس
قال : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقبرين فقال : ( إنهما
ليُعَذَّبَانِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، ثُمَّ قَالَ : بَلَى ، كَانَ
أَحَدُهُمَا لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ
، ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ ، فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ
مِنْهُمَا كِسْرَةً . فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟
قَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا ، أَوْ إِلَى أَنْ
يَيْبَسَا ) رواه البخاري ( 213 ) و ( 5708 ) – واللفظ له - ومسلم (292) .
فعليك أن تنصح أهلك ، برفق وتؤدة ، بالتنزه من البول وعدم ملابسته في ثوب أو بدن ،
لأن ذلك محرم في ذاته من جهة ومبطل للصلاة من جهة أخرى , فإن لم يستجيبوا لك فعليك
إذنْ بخاصة نفسك , وتوقّ أنت هذه النجاسات بأن تبتعد عن هذه الأماكن التي تصيبها
النجاسات ، ثم إن رأيت شيئا من النجاسة قد أصاب أرضية الحمام أو مكان قضاء الحاجة
فعليك بإزالة هذه النجاسة وغسلها قبل استعماله .
ثم إن علمت أن هذه النجاسات قد أصابت الفرش التي بالبيت أو غلب ذلك على ظنك , فعليك
بتجنب الصلاة في هذه الأماكن التي أصابتها النجاسة , ويكفيك حينئذ أن تستعمل فراشا
خاصا للصلاة ، سجادة أو نحوها ، تفرشه أثناء الصلاة ، وترفعه بعد ذلك حتى لا يصيبه
شيء من النجاسات , وبهذا تكون متوقيا للنجاسة متحريا للطهارة في صلاتك , حتى وإن
كان هذا البساط تحته شيء من النجاسة .
جاء في فتح العزيز بشرح الوجيز (4 / 35): "لو كان تحت البساط الذى يصلي عليه نجاسة
: لم يضر ، وإن كان يصلي على نجاسة ، لأنه لا مماسة" انتهى.
ثالثا:
لم توضح لنا طبيعة هذه الشروط التي تشترطها هذه الشركات ومدى موافقتها للشرع أو
مخالفتها له , لكنا بوجه عام نقول: التعامل مع هذه الشركات التي يمتلكها غير
المسلمين الأصل فيه الإباحة , وينظر بعد ذلك في الشروط التي تشترطها هذه الشركات ,
فإن كانت موافقة للشرع فيجوز اشتراطها ويجب الوفاء بها , وإن كانت مخالفة للشرع فلا
يجوز اشتراطها ، ولا يجب - بل ولا يجوز - الوفاء بها , فقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم يقول : (أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ
كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ) رواه البخاري (2563) ومسلم (1504) . فكل ما خالف كتاب الله
فهو باطل ، لا يجوز العمل به.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (175930)
، ورقم (175467)
وفي الختام : ننبهك إلى أن
صلاة الجماعة واجبة على الرجال في المسجد على الراجح من أقوال أهل العلم كما بيناها
في الفتوى رقم (120)
.
والله أعلم.