الحمد لله.
ثانيا:
ذهب الحنفية إلى أن من طاف أكثر الأشواط فقد أتى بفرض الطواف ، وأكثر الأشواط
عندهم: ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع .
وعندهم أن من طاف جميع الأشواط من داخل الِحجر، فقد أتى بأكثر الطواف، وترك ربعه ؛
لأن الحِجر ربع البيت .
وعليه فمن طاف ستة أشواط ، أو طاف أشواطه كلها أو بعضها من داخل الحِجر، ثم عاد إلى
بلده ، فهو مخير بين أمرين:
الأول:
العودة إلى مكة، فيحرم ، ويطوف الشوط الباقي عليه ، ويتصدق عن الشوط بطعام مسكين ،
مُدين من حنطة ( قمح ).
والثاني:
أن يبعث بشاة أو يوكل من يذبح عنه شاة بمكة تعطى لفقراء الحرم .
ومن جامع أهله بعد هذا الطواف لا شئ عليه عندهم ؛ لأنه وقع بعد طواف صحيح معتد به.
انظر "المبسوط " (4/43، 46) ، " بدائع الصنائع " (2/132).
قال السرخسي رحمه الله: " وإذا طاف الطواف الواجب في الحج والعمرة في جوف الحطيم
قضى ما ترك منه إن كان بمكة , وإن كان رجع إلى أهله فعليه دم ; لأن المتروك هو
الأقل فإنه إنما ترك الطواف على الحطيم فقط , وقد بينا أنه لو ترك الأقل من أشواط
الطواف فعليه إعادة المتروك , وإن لم يعد فعليه الدم عندنا، فهذا مثله ثم الأفضل
عندنا أن يعيد الطواف من الأصل ليكون مراعيا للترتيب المسنون , وإن أعاده على
الحطيم فقط أجزأه ; لأنه أتى بما هو المتروك " . انتهى من "المبسوط " (4/46) .
ثالثا:
الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، لقوة أدلتهم ، ومنها ما سبق
ذكره ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم" وهو تفسير وبيان لقول
الله تعالى: ( وليطوفوا بالبيت العتيق) وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم سبعا،
جميعها من وراء الحِجر، فدل على أن هذا هو الواجب المتعين على كل أحد.
رابعا:
أنت الآن على إحرامك ، فلا يباح لك الجماع ، حتى تتحلل التحلل الأكبر بالطواف
والسعي .
خامسا:
ينبغي ألا يُفتى بمذهب الحنفية في تصحيح هذا الطواف ، إلا لمن عجز عن الرجوع إلى
مكة، فيكون له مخرج في اتباع هذا المذهب ، فإذا كنت لا تستطيع الرجوع إلى مكة ، فلا
حرج عليك في الأخذ بمذهب الحنفية ، ويلزمك ذبح شاة توزع على فقراء الحرم ، كما سبق.
وينظر جواب السؤال رقم : (106544)
، ورقم : (46597) .
سادسا:
يجب على المرء أن يتعلم أحكام العبادة قبل أدائها، وأن يسأل أهل العلم فيما أشكل
عليه ، وألا يكتفي بسؤال أي شخص مهما كان علمه وورعه ؛ فإن كان الذي سألته في هذا
الوقت ، وأفتاك بمذهب أبي حنيفة : من أهل الفتوى ، أو كان هو مرشد الحملة التي حججت
فيها ، واعتقدت أن عنده من العلم ما يؤهله لذلك : فلا يلزمك شيء ، ولا حرج عليك في
الأخذ بقوله وفتواه .
نسأل الله لنا ولك التوفيق
والسداد.
والله أعلم .