الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

طاف أحد الأشواط في الحج من داخل الحجر ثم عاد إلى بلده

السؤال


ذهبت إلى الحج منذ زمن بعيد وفي طواف الإفاضة دخلت في أحد الأشواط من داخل الحجر دون أن أعلم أنه من البيت ، وعندما شككت في ذلك سألت من كان معي فأجاب أحدهم بأن الطواف صحيح ، حيث إنني طفت ستة أشواط صحيحة وهذا مذهب أبي حنيفة ، وقمت بعد ذلك بعدة عمرات في سنوات مختلفة ، وسألت أحد مكاتب الحرم عن طوافي فقال الشيخ :، إنه صحيح وعلي تحري الصواب في المرة القادمة ، وسألت عددا من العلماء في مراكز الفتوى عن طريق الإنترنت فتباينت الإجابات بين أن علي إعادة الطواف ودم للجماع وآخر يقول: علي دم فقط للإخلال بواجب ، وآخر يقول : ليس عليك شئ لعدم التعمد . فماذا أفعل ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه يشترط لصحة الطواف أن يكون بجميع البيت (الكعبة) ، وأن من طاف من داخل الحِجر لم يعتد بطوافه ؛ لأنه لم يطف بالبيت كله كما أمر الله سبحانه بقوله :( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) الحج/من الآية29.
والطائف من داخل الحِجر، طائف ببعض البيت ؛ لأن الحِجر جزء من الكعبة ، وعليه فلا يعتد بالشوط الذي وقع فيه الطواف من داخل الحجر.
ومذهب هؤلاء أيضا: أنه لا يجزئ في الطواف إلا سبعة أشواط ، فمن ترك منها شوطا، لم يعتد بطوافه .
وعلى هذا القول ، يلزمك عدة أمور:
1- أن تعود إلى مكة ، فتطوف طواف الإفاضة .
2- أن تسعى سعي الحج إذا كنت متمتعا ، لأن سعيك وقع بعد طواف لا يصح ، فلا يعتد به. وكذلك الأمر لو كنت مفردا أو قارنا ولم تسع بعد طواف القدوم .
3- يلزمك دم للجماع ، وهو عند الحنابلة على التخيير: ذبح شاة، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد من البُر، أو نصف صاع من غيره ، أو صيام ثلاثة أيام . والمد: 750 جراما تقريبا، ونصف صاع= مدّان .
" المدونة " (1/425) ، " مواهب الجليل " (3/70 ، 72 ، 73 )، " المجموع " (8/32 )، " المغني " (3/189)، " كشاف القناع " ( 2/530).
قال ابن قدامة رحمه الله : مسألة : قال : ( ويكون الحجر داخلا في طوافه ; لأن الحجر من البيت ) إنما كان كذلك لأن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت جميعه , بقوله : وليطوفوا بالبيت العتيق . والحِجر منه , فمن لم يطف به , لم يعتد بطوافه . وبهذا قال عطاء , ومالك , والشافعي , وأبو ثور , وابن المنذر . وقال أصحاب الرأي : إن كان بمكة , قضى ما بقي , وإن رجع إلى الكوفة , فعليه دم ) انتهى من " المغني " (3/189) .

ثانيا:
ذهب الحنفية إلى أن من طاف أكثر الأشواط فقد أتى بفرض الطواف ، وأكثر الأشواط عندهم: ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع .
وعندهم أن من طاف جميع الأشواط من داخل الِحجر، فقد أتى بأكثر الطواف، وترك ربعه ؛ لأن الحِجر ربع البيت .
وعليه فمن طاف ستة أشواط ، أو طاف أشواطه كلها أو بعضها من داخل الحِجر، ثم عاد إلى بلده ، فهو مخير بين أمرين:
الأول:
العودة إلى مكة، فيحرم ، ويطوف الشوط الباقي عليه ، ويتصدق عن الشوط بطعام مسكين ، مُدين من حنطة ( قمح ).
والثاني:
أن يبعث بشاة أو يوكل من يذبح عنه شاة بمكة تعطى لفقراء الحرم .
ومن جامع أهله بعد هذا الطواف لا شئ عليه عندهم ؛ لأنه وقع بعد طواف صحيح معتد به. انظر "المبسوط " (4/43، 46) ، " بدائع الصنائع " (2/132).
قال السرخسي رحمه الله: " وإذا طاف الطواف الواجب في الحج والعمرة في جوف الحطيم قضى ما ترك منه إن كان بمكة , وإن كان رجع إلى أهله فعليه دم ; لأن المتروك هو الأقل فإنه إنما ترك الطواف على الحطيم فقط , وقد بينا أنه لو ترك الأقل من أشواط الطواف فعليه إعادة المتروك , وإن لم يعد فعليه الدم عندنا، فهذا مثله ثم الأفضل عندنا أن يعيد الطواف من الأصل ليكون مراعيا للترتيب المسنون , وإن أعاده على الحطيم فقط أجزأه ; لأنه أتى بما هو المتروك " . انتهى من "المبسوط " (4/46) .

ثالثا:
الراجح في هذه المسألة هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، لقوة أدلتهم ، ومنها ما سبق ذكره ، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني مناسككم" وهو تفسير وبيان لقول الله تعالى: ( وليطوفوا بالبيت العتيق) وقد طاف النبي صلى الله عليه وسلم سبعا، جميعها من وراء الحِجر، فدل على أن هذا هو الواجب المتعين على كل أحد.

رابعا:
أنت الآن على إحرامك ، فلا يباح لك الجماع ، حتى تتحلل التحلل الأكبر بالطواف والسعي .

خامسا:
ينبغي ألا يُفتى بمذهب الحنفية في تصحيح هذا الطواف ، إلا لمن عجز عن الرجوع إلى مكة، فيكون له مخرج في اتباع هذا المذهب ، فإذا كنت لا تستطيع الرجوع إلى مكة ، فلا حرج عليك في الأخذ بمذهب الحنفية ، ويلزمك ذبح شاة توزع على فقراء الحرم ، كما سبق.
وينظر جواب السؤال رقم : (106544) ، ورقم : (46597) .

سادسا:
يجب على المرء أن يتعلم أحكام العبادة قبل أدائها، وأن يسأل أهل العلم فيما أشكل عليه ، وألا يكتفي بسؤال أي شخص مهما كان علمه وورعه ؛ فإن كان الذي سألته في هذا الوقت ، وأفتاك بمذهب أبي حنيفة : من أهل الفتوى ، أو كان هو مرشد الحملة التي حججت فيها ، واعتقدت أن عنده من العلم ما يؤهله لذلك : فلا يلزمك شيء ، ولا حرج عليك في الأخذ بقوله وفتواه .

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب