الحمد لله.
ثانيا :
اختلف الفقهاء فيمن تعذر غسله وتيممه : هل يصلى عليه أم لا ؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (2/ 119):
" ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ
الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ مَعَ
تَعَذُّرِ الْغُسْل وَالتَّيَمُّمِ ؛ لأِنَّهُ لاَ وَجْهَ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ
عَلَيْهِ ؛ لأِنَّ الْمَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ، لِمَا صَحَّ مِنْ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : ( وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ
الصَّلاَةِ الدُّعَاءُ وَالشَّفَاعَةُ لِلْمَيِّتِ .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَلاَ
يُصَلَّى عَلَيْهِ ؛ لأِنَّ بَعْضَهُمْ يَشْتَرِطُ لِصِحَّةِ الصَّلاَةِ عَلَى
الْجِنَازَةِ تَقَدُّمَ غُسْل الْمَيِّتِ ، وَبَعْضُهُمْ يَشْتَرِطُ حُضُورَهُ أَوْ
أَكْثَرِهِ ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ وَتَيَمُّمُهُ لَمْ يُصَل عَلَيْهِ
لِفَوَاتِ الشَّرْطِ " انتهى .
والراجح - والله أعلم -
القول الأول ، وهو أنه يصلى عليه ، حتى مع تعذر تغسيله وتيميمه ؛ فإن الصلاة على
الميت من حق الميت على المسلمين ، وهكذا غسله ، أو تيميمه عند تعذر الغسل ؛ ومتى
حصل العجز عن بعض الواجبات ، لم تسقط المطالبة بما أمكن منها ؛ لقول الله تعالى : (
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/ 16 .
قال الخطيب الشربيني رحمه الله :
" (فَلَوْ مَاتَ بِهَدْمٍ وَنَحْوِهِ) كَأَنْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ بَحْرٍ
عَمِيقٍ (وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ) وَتَيَمُّمُهُ : (لَمْ يُصَلَّ
عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ ، كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي
وَأَقَرَّاهُ.
وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: لَا خِلَافَ فِيهِ ، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ:
وَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ
بِالْمَعْسُور، لِمَا صَحَّ ( وَاذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا
اسْتَطَعْتُمْ) متفق عليه ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ :
الدُّعَاءُ ، وَالشَّفَاعَةُ لِلْمَيِّتِ، وَجَزَمَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ
مَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ : صُلِّيَ عَلَيْهِ ، قَالَ الدَّارِمِيُّ: وَإِلَّا
لَزِمَ أَنَّ مَنْ أُحْرِقَ فَصَارَ رَمَادًا ، أَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ : لَمْ
يُصَلَّ عَلَيْهِ ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ بِذَلِكَ ،
وَبَسَطَ الْأَذْرَعِيُّ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ .
وَالْقَلْبُ إلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمْيَلُ ، لَكِنَّ الَّذِي
تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ مَشَايِخِنَا مَا فِي الْمَتْنِ " انتهى من "مغني المحتاج" (2/
49) .
وبنحو هذا أفتى "قطاع
الإفتاء" في دولة الكويت ، في بحث مطول ، يمكن مراجعته للفائدة .
والله تعالى أعلم .