الحمد لله.
أولا :
روى الفسوي في "المعرفة" (2/ 533) ، وابن سعد في "الطبقات" (6/86)، وابن أبي خيثمة
في "تاريخه" (2/385) ، والخطيب في "تاريخه" (1/322) من طريق شَمرِ بْنِ عَطِيَّةَ ،
عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ:
" أَهْلُ الْعِرَاقِ كَنْزُ الْإِيمَانِ ، وَجُمْجُمَةُ الْعَرَبِ، وَهُمْ رُمْحُ
اللَّهِ ، يحرزون ثُغُورَهُمْ، وَيَمُدُّونَ الْأَمصَارَ " .
وهذا إسناد ضعيف ؛ لجهالة راويه عن عمر .
ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" (2/384) عن عبد الملك بن عمير عمن حدثه عن عمر به
بنحوه .
وهذا ضعيف كسابقه .
ورواه الطبري في "تاريخه" (4/ 59) من طريق سيف ، عن أبى يَحْيَى التَّمِيمِيِّ ،
عَنْ أَبِي مَاجِدٍ ، عن عمر به ، بنحوه .
وسيف هو ابن عمر التميمي وهو متهم ، قال ابن حبان : اتهم بالزندقة ، يروى الموضوعات
عن الأثبات ، وقال الحاكم : اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط .
"المجروحين" (1 /345) ، "تهذيب التهذيب" (4/260) .
وأبو ماجد مجهول لا يعرف .
ورواه ابن أبي شيبة (6/ 408) من طريق سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ حَبَّةَ
الْعُرَنِيِّ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ: " يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ ،
أَنْتُمْ رَأْسُ الْعَرَبِ وَجُمْجُمَتُهَا ، وَسَهْمِي الَّذِي أَرْمِي بِهِ إِنْ
أَتَانِي شَيْءٌ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا " .
وحبة العرني متروك ، قال ابن معين ليس بثقة ، وقال الجوزجاني كان غير ثقة ، وقال
ابن خراش ليس بشئ ، وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع واهيا في الحديث.
"تهذيب التهذيب" (2 /154) .
ورواه ابن أبي شيبة أيضا (6/ 408) مختصرا من طريق جَابِرٍ الجعفي ، عَنْ عَامِرٍ،
قَالَ: " كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أهل الكوفة : إِلَى رَأْسِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ " .
وجابر الجعفي متهم بالكذب ، انظر "الميزان" (1/380)
فهذا الأثر لا يصح عن عمر
رضي الله عنه ، فيما نعلم ، ولم نقف له على طريق خال من مطعن .
ثانيا :
أما معناه :
فقوله " العراق جمجمة العرب " يعني أن أهلها سادات الناس ، قال في "النهاية"
(1/ 299):
" جُمْجُمَة الْعَرَبِ : أَيْ سادَاتها، لِأَنَّ الجُمْجُمَة الرأسُ، وَهُوَ
أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ " انتهى.
وقوله : " كنز الإيمان " يعني مجمعه .
والكَنْز في اللغة : اسمٌ لِلْمَالِ إِذا أُحْرِز فِي وِعَاءٍ .
"تهذيب اللغة" (10/ 58) .
وقوله : " رمح الله " يعني أن المجاهدين من أهله بمثابة الرمح في نحور أعداء
الإسلام ، والعلماء من أهل السنة من أهله بمثابة الرمح في نحور أهل البدع .
وقوله : " يحرزون ثغورهم " أي يحفظون الثغور من بغتات العدو .
والحِرْز الموضع الحصين ، يقال هذا حِرْزٌ حَرِيزٌ ، ويقال أَحْرَزْت الشيء
أُحْرِزُه إِحْرازاً إِذا حفظته وضممته إِليك وصُنْتَه عن الأَخذ .
انظر : "لسان العرب" (5 /333) .
وقوله : " ويمدون الأمصار " يعني هم لأهل الأمصار من بلاد الإسلام مدد وعون ،
فيعينون المجاهدين ويمدونهم بالقوة والسلاح والغذاء وغير ذلك مما يحتاجونه .
ولا شك أن بلاد العراق لها
في صفحات التاريخ الآثار الطيبة ، والمآثر العظيمة ، سواء في العلم أو الجهاد أو صد
عدوان الأعداء عن بلاد المسلمين ، وإمداد المسلمين بالسلاح والمعونة لحرب أعدائهم
وردّ كيدهم .
وقد مكثت بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية عدة قرون من الزمان ، وكانت العراق حينئذ :
حاضرة الإسلام ، ومعدن العلم والسلطان .
وقد خرّجت هي وغيرها من بلاد العراق من أعلام المسلمين وصلحاء الأمة وأبطالها ما لا
يعد كثرة .
والله تعالى أعلم .