هل اختار الله سبحانه وتعالى وقدَّر أن يكون اسم النبي صلى الله عليه وسلم محمدا ، وهل الله سبحانه وتعالى هو الذي سمى نبيه بهذه الأسماء : أحمد ، والماحي ، والحاشر ، والعاقب ، وغيره من الأسماء ، أم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى نفسه بهذه الأسماء ؟ وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف نفسه أو يعرف عند الناس قبل بعثته بالاسم أحمد ؟
الحمد لله.
المسلم يؤمن بأن جميع ما يقع في هذا الكون من صغير أو كبير ، أو جليل أو حقير ، كله من عند الله ، وبقضائه وقدره عز وجل ، كما قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49 ، وقال عز وجل : ( وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ ) القمر/53 ، وقال جل وعلا : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات/96.
ولا يخرج عن هذه القاعدة شيء مما يكون في الدنيا ، ومن ذلك تسمية النبي صلى الله عليه وسلم بأسمائه الشريفة ، إنما كان بقضائه واختياره سبحانه وتعالى ؛ ولنا على ذلك أدلة عدة :
الدليل الأول :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أصحابه عن أسمائه ، إنما نطق بوحي يوحى ، ولم ينطق بشيء من عند نفسه ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) النجم/3-4.
الدليل الثاني :
أن كثيرا من هذه الأسماء وردت في القرآن الكريم ، والقرآن كلام الله عز وجل ، فما اختاره فيه من أسماء لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، هي مزيد تكريم وتشريف لهذا النبي العظيم .
وقد عد السيوطي ما رآه من أسمائه صلى الله عليه وسلم – على طريقة الاشتقاق من الصفات والأفعال – فبلغ بها ثلاثمائة وبضعا وأربعين اسما ، وقسمها أقساما فقال : " الأول : ورد في القرآن بصريح الاسم ، وهي محمد وأحمد ..." انتهى من " الرياض الأنيقة " (ص/7) .
الدليل الثالث :
وهذا ما فهمه الصحابة الكرام ، والعلماء الثقات ، في أكثر ما وقفنا عليه مما كتب في هذا الموضوع .
روى البخاري في " التاريخ الأوسط " (1/13) قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا سفيان ، عن علي بن زيد قال : كان أبو طالب يقول :
فشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد
وقد عزي هذا البيت لحسان بن ثابت رضي الله عنه أنه قال :
" أغر عليه للنبوة خاتم *** من الله من نور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي لاسمه *** إذ قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله *** فذو العرش محمود وهذا محمد "
انتهى من " الشفا " للقاضي عياض (1/460) .
يقول الإمام الزهري رحمه الله :
" وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَؤُوفًا رَحِيمًا " رواه مسلم (6177) .
ويقول أبو العباس القرطبي رحمه الله :
" أسماؤه إنما تلقاها من الوحي ، ولا يسمى إلا بما سماه الله به " انتهى من " المفهم " (6/150).
ويقول ابن العربي المالكي رحمه الله :
" إن الله خطط النبي صلى الله عليه وسلم بخططه ، وعدد له أسماءه ، والشيء إذا عظم قدره عظمت أسماؤه " انتهى من " عارضة الأحوذي " (10/281) .
ويقول القاضي عياض رحمه الله :
" فضل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن حلاه منها في كتابه العزيز ، وعلى ألسنة أنبيائه بعدة كثيرة " انتهى من " الشفا " (1/459) .
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال عياض كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحمد قبل أن يكون محمدا كما وقع في الوجود ، لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب السالفة ، وتسميته محمدا وقعت في القرآن العظيم ، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس ، وكذلك في الآخرة يحمد ربه ، فيشفعه ، فيحمده الناس وقد خص بسورة الحمد ، وبلواء الحمد ، وبالمقام المحمود ، وشرع له الحمد بعد الأكل وبعد الشرب ، وبعد الدعاء ، وبعد القدوم من السفر ، وسميت أمته الحمادين ، فجمعت له معاني الحمد وأنواعه صلى الله عليه وسلم ..." انتهى من " فتح الباري " لابن حجر (6/ 555) .
ويمكنكم مراجعة الفتاوى الآتية في موقعنا ، ففيها مزيد شرح وتفصيل : (139531)، (153824) .
والله أعلم .