الحمد لله.
الرسول الذي بشر به المسيح بن مريم عليهما السلام اسمه محمد ، واسمه أحمد ، وهو هو نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ وذلك بصريح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ( لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ )
رواه البخاري (3532) ومسلم (2354)
وكلمة " اسم " تطلق في اللغة على ثلاثة استعمالات :
بمعنى المسمى ، فإذا قلت مثلا : اسمه قاسم ، فالمعنى أن هذا الشخص " المسمى " هو قاسم، ولا يعني أن " قاسم " عَلَمٌ عليه .
بمعنى الشهرة في الخير .
بمعنى العَلَم على ذات معينة .
وقد جاءت كلمة " اسم " في كلا النصين : في الآية الكريمة : ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) الصف/6، وفي الحديث الشريف ( لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ : أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَحْمَدُ )
فإما أن يقال : إن كلمة " اسم " استعملت – في كلا هذين النصين – بمعنى المسمى .
وإما أن يقال : إنها استعملت في كليهما بمعنى العَلَم على ذات نبينا الشريفة صلى الله عليه وسلم .
أما أن يدعي أحدهم - طاعنا - أن النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد فقط ، وبشارة المسيح كانت بنبي اسمه أحمد ، فهذا تحكم في النص ، وتعمد لإساءة الفهم والتحريف .
يقول الإمام القرطبي رحمه الله :
" ثم إنه – يعني النبي صلى الله عليه وسلم - لم يكن محمدا حتى كان أحمد ، حمد ربه فنبَّأه وشرَّفه ، فلذلك تقدم اسم أحمد على الاسم الذي هو محمد ، فذكره عيسى عليه السلام فقال : اسمه أحمد " انتهى.
" الجامع لأحكام القرآن " (18/84)
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
" نحمل الاسم في قوله : ( اسمه أحمد ) على ما يجمع بين هذه الاستعمالات الثلاثة :
أي : مسماه أحمد ، وذِكْرُهُ أحمد ، وعَلَمُه أحمد .
فالوصف بـ " أحمد " بالنسبة للمعنى الأول في " اسم " أن مسمى هذا الرسول ونفسه موصوفة بأقوى ما يحمد عليه محمود ، فيشمل ذلك جميع صفات الكمال النفسانية والخُلُقِية والخَلْقِيَّة والنسبية والقومية وغير ذلك مما هو معدود من الكمالات الذاتية والعرضية .
والوصف بـ " أحمد " على المعنى الثاني في " الاسم ": أن سمعته وذكره في جيله والأجيال بعده موصوف بأنه أشد ذكر محمود وسمعة محمودة ، وهذا معنى قوله في الحديث : ( أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ) وأن الله يبعثه مقاما محمودا .
ووصف أحمد بالنسبة إلى المعنى الثالث في الاسم رمز إلى أنه اسمه العلم ، يكون بمعنى : أحمد ، فإن لفظ " مُحَمَّد " اسم مفعول مِن " حمَّد " المضاعف الدال على كثرة حمد الحامدين إياه ، كما قالوا : فلان مُمَدَّح ، إذا تكرر مدحه من مادحين كثيرين ، فاسم " محمد " يفيد معنى : المحمود حمدا كثيرا ورمز إليه بأحمد .
وهذه الكلمة الجامعة التي أوحى الله بها إلى عيسى عليه السلام أراد الله بها أن تكون شعارا لجماع صفات الرسول الموعود به صلى الله عليه وسلم ، صيغت بأقصى صيغة تدل على ذلك إجمالا بحسب ما تسمح اللغة بجمعه من معاني ، ووكل تفصيلها إلى ما يظهر من شمائله قبل بعثته وبعدها ليتوسمها المتوسمون ، ويتدبر مطاويها الراسخون عند المشاهدة والتجربة " انتهى باختصار.
" التحرير والتنوير " (18/184-185)
والله أعلم .
تعليق