الحمد لله.
أولا :
إن من أعظم ما يبتلى به المرء أن يرى تخطف الشيطان لأقرب الناس إليه ، بإيقاعهم في
أسباب سخط الله ، وإن لك فيمن ابتلي من أنبياء الله بنحو ذلك أسوة حسنة كحال نبي
الله إبراهيم - عليه السلام - مع أبيه .
وما نقلته عن بعض أهلك في بعضه نزاع في كفر فاعله ، كقضية ترك الصلاة لمن أقر
بوجوبها ، وقد سبق بيان ذلك في الجواب : (2182)
.
وأما قضية سب الله ، أو عدم تكفير أهل الكتاب بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم :
فلا شك أن كل ذلك من الكفر الأكبر ، وهذا مما لا خلاف أن فعله هو من أسباب الردة عن
الدين ، وأما ما ذكرت عن أخيك من محاربة الإسلام فإنه أمر يحتاج إلى بيان وتريث في
تنزيل حكم الردة عليه .
وللفائدة ينظر في هذا أجوبة الأسئلة : (6688)
، و (42505) ، و (65551)
.
ثانيا :
الواجب عليك نحوهم :
- الإنكار عليهم ، وبيان خطورة تلك الأقوال والاعتقادات ، وبيان ما يترتب عليها من
الأحكام الشرعية ، وأن المرتد تحبط جميع أعماله الصالحة ، ولا يجوز أكل ذبيحته ،
ولا ابتداؤه بالسلام ، وأن من مات على تلك الحال ولم يتب : فلا يُغسَّل ، ولا
يكفَّن ، ولا يُصلَّى عليه ، ولا يُدفن في مقابر المسلمين ، كما أنه لا يرث ، ولا
يورث منه ، ويكون مصيره في الآخرة الخلود في نار جهنم أبداً .
- الصبر على دعوتهم ونصيحتهم مع استعمال كل وسيلة ترجو بها توبتهم عما هم فيه ،
والتلطف في ذلك كله ، والحرص على ألا تزيدهم نفورا وفجورا ، بل كن حكيما معهم ،
فلعل الله أن يهدي قلوبهم ويردهم إلى دينه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في جواب سؤال ابن عن أبيه الذي لا يصلي :
" الواجب عليك دعوته [ يعني الوالد ] إلى الله ، ونصيحته بالأسلوب الحسن ، بالرفق
والكلام الطيب ، كما قال الله جل وعلا : ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ
إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) وإن جاهداك على الشرك ، يعني الوالدين المشركين : ( وَإِنْ
جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا
وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) فأمر بمصاحبة الوالدين الكافرين في
الدنيا معروفًا ، فعليك اصطحابه بالمعروف بالنصيحة بالتوجيه بالرفق ، وتستعين
بالإخوان الطيبين ، حتى ينصحوه أيضًا ، من أقاربه من إخوانه من أعمامه ، .. فاجتهد
واصدق مع الله ، واسأل ربك له الهداية : في سجودك ، وفي آخر الصلاة ، وفي غير ذلك
من الأوقات ، تسأل ربك أن يهديه ، أن يشرح صدره للحق ، وأن يعينه على قبول الحق ،
اجتهد في ذلك واصبر وصابر " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر " (18/ 349) .
- مفارقة المجلس الذي يُسَبُّ فيه الله ورسوله أو يُعصى الله فيه .
قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا
سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ )
النساء/140 .
قال القرطبي : " فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم : يكون معهم في الوزر
سواء ، وينبغي أن يُنكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ، فإن لم يقدر على
النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية ".
انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (5/418) .
- بغضهم في الله ، وإظهار
كراهية ما هم عليه من الأفعال القبيحة ، والبراءة منها.
- إذا استمروا على ضلالهم بعد نصحك لهم : فإنك تسلك سبيل الهجر ، لاسيما إذا اقتضت
المصلحة هجرهم ، لزجر بقية الأقارب عن اتباعهم . ويتأكد ذلك : إذا خفت على دينك من
الإقامة بينهم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الكفار المرتدون : فيجب هجرهم ، والبعد عنهم ، وأن لا يجالسوا ، ولا يؤاكلوا ،
إذا قام الإنسان بنصحهم ودعوتهم إلى الرجوع إلى الإسلام فأبوا ، وذلك لأن المرتد لا
يقر على ردته ، بل يدعى إلى الرجوع إلى ما خرج منه ، فإن أبى وجب قتله ...
وأما الكفار غير المرتدين : فلهم حق القرابة ، إن كانوا من ذوي القربى كما قال
تعالى: ( وآت ذا القربى حقه) .. " انتهى من " مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين " (3 /
3) .
- وأما إقامة حد الردة : فهو
من اختصاص القضاء الشرعي ، والسلطان المسلم الممكن ، بعد استيفاء شروط إقامته ،
وليس لآحاد المسلمين تنفيذ الحدود الشرعية .
قال القرطبي – رحمه الله - :
" لا خلاف أن القصاص في القتل : لا يقيمه إلا أولو الأمر الذين فرض عليهم النهوض
بالقصاص ، وإقامة الحدود وغير ذلك " انتهى من " تفسير القرطبي " ( 2 / 245 ) .
وللفائدة : ينظر جواب السؤال رقم : (169985)
.
والله أعلم .