هل يجوز للرجل أن يتنازل عن حقه في الميراث ، مع أن له أولاداً ؟
ما حكم وهل يجوز للوارث أن يتنازل عن حقه في الورث ؟ علما أن له أبناء .
الجواب
الحمد لله.
إذا تنازل أحد الورثة عن نصيبه في الميراث ، وكان أهلاً للتصرف وقت تنازله ؛ بأن
كان بالغاً رشيداً في المال ، ولم يكن في مرض الموت ، وهو في تنازله ذلك مختار غير
مكره : فتنازله صحيح نافذ .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَجُمْلَةُ ذَلِكَ : أَنَّ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنَجَّزَةَ ( أي : المعجلة في
الحال ) ، كَالْعِتْقِ ، وَالْمُحَابَاةِ ، وَالْهِبَةِ الْمَقْبُوضَةِ ،
وَالصَّدَقَةِ ، وَالْوَقْفِ ، وَالْإِبْرَاءِ مِنْ الدَّيْنِ ، إذَا كَانَتْ فِي
الصِّحَّةِ فَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا ، وَإِنْ
كَانَتْ فِي مَرَضٍ مَخُوفٍ اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ ، فَهِيَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ
، فِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ " انتهى من " المغني " (6/ 192) .
وانظر جواب السؤال رقم : (147489) ، (201851)
.
ومعنى هذا : أن الصدقة في حال الصحة يجوز أن تكون بجميع المال ، وفي حال مرض الموت
لا تكون بأكثر من ثلث المال .
فيجوز للوارث أن يتنازل عن حقه في الميراث ، ويكون هذا التنازل هدية منه للوارث .
لكن : هل الأفضل أن يفعل ذلك أم أن يأخذ حقه من الميراث ؟
الجواب ، إذا كان في حاجة إلى هذا المال لنفقته أو نفقة أولاده ، كالنفقة على
تعليمهم وزواجهم ... إلخ .
فالأفضل أن يأخذ هذا المال ولا يتنازل عنه ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (
خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) رواه
البخاري (1426) ، ومسلم (1034) .
فإن أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها غنيا ، ولم يتصدق بما يحتاج إليه من المال .
أما إذا كان هذا الوارث غنيا غير محتاج إلى هذا المال ، فما فعله هو هدية وصدقة
وصلة رحم ، وسوف يخلف الله عليه ما هو أفضل من هذا المال إن شاء الله .
قال النووي رحمه الله :
"قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَخَيْر الصَّدَقَة عَنْ ظَهْر غِنًى
) مَعْنَاهُ : أَفْضَل الصَّدَقَة مَا بَقِيَ صَاحِبهَا بَعْدهَا مُسْتَغْنِيًا
بِمَا بَقِيَ مَعَهُ ...
وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ أَفْضَل الصَّدَقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ تَصَدَّقَ
بِجَمِيعِ مَاله ; لِأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِالْجَمِيعِ يَنْدَم غَالِبًا أَوْ قَدْ
يَنْدَم إِذَا اِحْتَاجَ , وَيَوَدّ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّق , بِخِلَافِ مَنْ
بَقِيَ بَعْدهَا مُسْتَغْنِيًا فَإِنَّهُ لَا يَنْدَم عَلَيْهَا , بَلْ يُسَرُّ
بِهَا ...
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول ) فِيهِ
تَقْدِيم نَفَقَة نَفْسه وَعِيَاله [ أي يبدأ أولا بإغناء نفسه وكفاية نفسه وأولاده
ثم يتصدق بعد ذلك ] ".
انتهى من " شرح صحيح مسلم " (7/125) .
والله تعالى أعلم .