الحمد لله.
أولا :
للإنسان أن يتبرع بجميع ماله في حياته ، أو يجعله وقفا ، وأما الوصية فلا تجوز إلا في حدود الثلث .
والفرق بين الوقف والوصية : أن الوقف يكون على سبيل التنجيز ، يفعله الإنسان في حياته ، ويخرج المِلك من يده .
وأما الوصية : فإنها تُعلق على موت الإنسان ، ولا يخرج الملك من يده حال حياته .
ومن أوصى بأزيد من الثلث ، توقفت الزيادة على إجازة الورثة ، فإن أجازوها مضت ، وإن لم يجيزوها نفذت الوصية في حدود ثلث التركة فقط .
قال
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والفرق بين الوصية والوقف:
أولا: أن الوقف عقد ناجز، فإذا قال الرجل: وقفت بيتي، أو وقفت سيارتي، أو وقفت
كتبي، فيكون وقفا في الحال.
والوصية تكون بعد الموت، فيقول مثلا: أوصيت بداري للفقراء.
ثانيا : أن الوقف ينفذ من جميع المال، فلو وقف جميع ماله نفذ، إلا أن يكون في مرض
موته المخوف.
والوصية لا تكون إلا من الثلث فأقل ، ولغير وارث ، وما زاد على ذلك، أو كان لوارث،
فلا بد من موافقة الورثة على هذه الوصية " .
ثم قال :
فلو
قال: أوصيت ببيتي لفلان، ثم توفي، وحصرنا تركته بعد موته فوجدنا أن هذا البيت أكثر
من الثلث ، فالذي ينفذ من البيت ما يقابل الثلث فقط، فإذا كان هذا البيت النصف فإنه
ينفذ منه ثلثاه ؛ لأن ثلثي النصف بالنسبة للكل ثلث.
لكن لو أجاز الورثة وقالوا: ليس عندنا مانع، فإن ذلك لا بأس به" انتهى من "الشرح
الممتع" (11/ 25) .
ثانيا :
ينبغي ألا يوصي إلا من ترك مالا كثيرا يستغني به ورثته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه : ( إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ) رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) .
قال
علي بن أبي طالب رضي الله عنه لرجل أراد أن يوصي : " إنك لن تدع طائلاً إنما تركت
شيئاً يسيراً ، فدعه لورثتك " ذكره ابن قدامه رحمه الله في "المغني" ثم قال :
" متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة ، فلا تستحب الوصية ، لأن النبي صلى الله
عليه وسلم علل المنع من الوصية بقوله : (أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم
عالة) ، ولأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي ، فمتى لم يبلغ الميراث
غناهم ، كان تركه لهم كعطيتهم إياه ، فيكون ذلك أفضل من الوصية به لغيرهم " انتهى
من "المغني" (8/ 392).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " منعت الوصية بأكثر من الثلث لأن حق الورثة يتعلق بالمال ، فإذا أوصى بزائد عن الثلث صار في ذلك هضم لحقوقهم ، ولهذا لما استأذن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلثي ماله قال : (لا ، قال : فالشطر ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، قال : فالثلث ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : الثلث والثلث كثير . إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) . فأشار الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث إلى الحكمة في منع ما زاد على الثلث ، ولهذا لو أوصى بزائد على الثلث وأذن الورثة فلا بأس بذلك" انتهى من "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص333) .
وعليه ، فإذا كان ورثتك في حاجة إلى هذه الشقة فالأفضل ألا توصي بها ، بل تتركها لهم ، فإن كانوا لا يحتاجون إليها فلا بأس بأن توصي بها لتكون صدقة جارية بعد وفاتك ، بشرط ألا تزيد عن ثلث التركة .
والله أعلم .
تعليق