الحمد لله.
أولا :
يبتلي الله عباده في هذه الدنيا بأنواع من المصائب ، والمنغصات ، وفي ذلك حِكَم له
سبحانه ، لو تدبرها المسلم لذهب عنه كثير مما يجد من ألم المصيبة .
ولو لم يكن من فوائد هذه المصائب إلا أنها تذكره بفقر الإنسان وحاجته إلى مولاه ،
فتخضعه بين يديه ذليلا ، يشكو إليه ما يجد من الكرب والظلم ، فيجد من لذة من
العبودية لله سبحانه ما قد يكون سببا لنجاته في الدنيا والآخرة .
ومما يسلي به العبد نفسه في المصائب ، أن يستشعر ما له فيها من تكفير سيئاته ، كما
قال صلى الله عليه وسلم : (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ
العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا ) رواه الترمذي (2396) ،
وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (308) .
ومن رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته ، فلابد أن يكون غيركِ في هذه الدنيا قد أصيب
بمصاب هو أعظم من مصابك ، فاحمدي الله .
وينبغي للمسلم عند المصائب :
1- أن يثق بقدوم فرج الله ، وفي الحديث ( الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ) رواه الإمام
أحمد ( 2803 ) ، وصححه محققو المسند .
2- أن يؤمن بقضاء الله وقدره كما قال تعالى ( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ
قَلْبَهُ ) سورة التغابن/ 11 ، قال إبراهيم الحربي " أجمع عقلاء كل أمة ، أنه من لم
يجر مع القدر لم يتهن بعيشه " .
انتهى من " صفة الصفوة " لابن الجوزي (1/512) .
3- وطني نفسك على تقدير أسوأ الاحتمالات مع السعي في تخفيفها قدر الإمكان .
4- قارني البلاء بكثرة نعم الله عليك فهذا مما يهون وقع البلاء في النفوس .
ثانيا:
نحن نفهم الشبهة التي جعلتك تقولين عن نكاحك : إنه ربما كان نكاح متعة ؛ وهي أن هذا
الزوج لا يريد أن يعطيك شيئا من حقوقك ـ بحسب كلامك أنت ـ ولا يريد أن ينجب منك ،
فقط يريد أن يقضي وطره ، ثم يسافر .
ومعلوم أن هذا وحده لا يجعله عقد متعة ، بل هو زواج شرعي صحيح ، متى كان قد تم
بأركان النكاح المعروفة ، وقد تولاه وليك ، وحضره الشهود ، وعلم به الناس .
ويدل لذلك أنك تقولين : إنه يريد أن يسافر من غير أن يطلقك ، ومعلوم أنه لو كان
نكاح متعة ، لم يحتج إلى طلاقك ، بل ينتهي العقد بينكما بانتهاء المدة المحددة .
وأما زواج المتعة الباطل في شرع الله : فهو النكاح المؤقت بمدة محددة ، كالسنة أو
السنتين ، أو نحو ذلك .
أما إذا لم يكن مؤقتا بمدة محددة مشروطة في صلب العقد أو قبله ، فليس بنكاح متعة .
جاء في " المغني " (7/136) : " نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة , مثل أن يقول :
زوجتك ابنتي شهراً , أو سنة , أو إلى انقضاء الموسم , أو قدوم الحاج ، وشبهه ، سواء
كانت المدة معلومة أو مجهولة ، فهذا نكاح باطل ، نص عليه أحمد ، فقال : نكاح المتعة
حرام ... وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء " انتهى .
وللاستزادة في معرفة الأحكام
المتعلقة بنكاح المتعة ، يرجى مراجعة السؤال رقم : (186851)
.
ثالثا:
زواج الرجل من امرأة ثانية أمر مباح بشرط العدل ، فإن تيقن عدم العدل أو شك في
حصوله حرُم ، قال تعالى ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) سورة
النساء/4 .
وإذا كان الزوج يطيل الغيبة
في سفره ويترك زوجته معلقة مدة تزيد على ستة أشهر ولم ترض الزوجة بغيابه ذلك ، فإن
لها أن ترفع أمرها إلى القاضي ليقوم بمراسلة زوجها وإلزامه بالعودة ، فإن لم يرجع
حكم القاضي بما يراه من الطلاق أو الفسخ .
سواء كان سفر الزوج وغيابه بعذر كحاجته إلى المال وعدم وجود عمل له في بلده ، أو
كان لغير عذر ، وينظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (102311)
.
رابعا:
الإنجاب حق مشترك بين الزوجين ، وليس لأحدهما أن يخُصّ نفسه بهذا الحق دون الآخر .
فإذا رغبت الزوجة في الإنجاب فليس للزوج أن يمنعها منه ، ولهذا قرر الفقهاء أن
الزوج لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها .
فإن أصر على موقفه ، جاز لها طلب الطلاق لرفع الضرر الواقع عليها . ينظر جواب
السؤال رقم : (151643) .
خامسا:
أول خطوة في طريق العلاج الصحيح لمشكلتكما : هي إصلاح العلاقة مع الله ، ويكون ذلك
من الطرفين ، فمن طرفك : أن تصلحي حالك مع الله بالتوبة والإنابة وكثرة الاستغفار ،
فبذلك تستنزل الرحمات ، وتدفع البلايا والسيئات .
ومن جهته بحضه على التوبة وتذكيره بالله واليوم الآخر ، ويكون ذلك بالأسلوب الأنسب
الذي يرجى معه الاستماع ، وقد يكون على شكل إهداء شريط ، أو وضعه في السيارة عند
بداية مقطع مؤثر ، ونحو ذلك من أشكال الدعوة بالحكمة التي أمر الله عز وجل بها في
قوله : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)
سورة النحل/ 125 .
ويحسن بالزوجة أن تتحرى كل
ما تُحَسِّنُ به علاقتها بزوجها ، لتزيد من رصيده العاطفي نحوها ، فتظهر له عناية
زائدة ، وتبادله الكلمة الطيبة الجميلة ، وتسعى في إرضائه وإسعاده .
والحذر الحذر من اليأس ، أو الكسل عن الدعاء ، فهو من أجل العبادات ، ومن أعظم
أسباب حصول المطلوب ، وأحسني الظن بربك عز وجل في كل شيء .
وينبغي لك أن توسطي من أهل العلم والخير والصلاح من ينظر حالكما ، ويسمع من كلا الطرفين ، لتكون مشورته لك واقعية ، تراعي مصلحة دينك أولا ، ومصلحة دنياك ثانيا .
فإن لم يتغير حاله ، ولم يدع ما هو فيه من المنكرات ، ولم يعد لك بحقك الواجب عليه ، فأنت أبصر بأمرك ، إن لم يمكن الصبر على حاله ، وتضررت بفوات حقك ، أو نقصانه ، فوسطي من يفرق بينكما بالمعروف والإحسان ، وإن لم يتجاوب مع مساعي أهل الخير ، فارفعي أمرك للقضاء ، ومن حقك طلب التفريق ، للضرر الحاصل عليك .
يسر الله لك أمرك ، وفرج
كربك ، وكشف همك .
والله أعلم .