تفسير الضيق والحرج في قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ )

09-01-2015

السؤال 220097


في قوله تعالى " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء " ,, هل في الآية تكرار الضيق ؟ (لأن الحرج هو أشد الضيق) ، فإن كان هناك تكرار فما الحكمة منه ؟ وإن كان لا يوجد تكرار فما معنى "ضيقا حرجا"

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يقول الله عز وجل : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام/ 125.
" يقول تعالى - مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته، وعلامة شقاوته وضلاله -: إن من انشرح صدره للإسلام، أي: اتسع وانفسح، فاستنار بنور الإيمان، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه، ومَنَّ عليه بالتوفيق، وسلوك أقوم الطريق.
وأن علامة من يرد الله أن يضله، أن يجعل صدره ضيقا حرجا. أي: في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه " .
"تفسير السعدي" (ص 272) .

ثانيا :
للعلماء في قوله تعالى : ( ضَيِّقًا حَرَجًا ) أقوال :
الأول : أنه من باب توالي الخاص بعد العام ، وليس من التكرار .
قال شهاب الدين الحلبي في "الدر المصون" (5/ 142):
" حَرَجاً وحَرِجاً - بفتح الراء وكسرها: هو المتزايد في الضيق ، فهو أخصُّ من الأول، فكلُّ حَرَج ضيق من غير عكسٍ " ، إلى أن قال :
" وقد ظهر لك ممَّا تَقَدَّم أنَّ قوله ( ضيقاً حَرَجاً ) ليس فيه تكرار " .
"الدر المصون" (5/ 145).
وقال ابن القيم رحمه الله :
" الحرج هو الشديد الضيق في قول أهل اللغة جميعهم "
"شفاء العليل" (ص 106).
وقَالَ الزّجاج: "الحرج في اللغة: أضيق الضيق ، فالمعنى عند أهل اللغة إنَّه ضيق جدًّا "
"معاني القرآن" (2/ 290) ، وانظر : "تفسير القرطبي" (7/ 82) ، "زاد المسير" (2/75) ، "تهذيب اللغة" (4/ 84).
الثاني : أن الحرج يطلق على عدة معان ، والضيق أحد لوازمه ومعانيه .
قال في "النهاية" (1/ 361):
" الحَرَجُ فِي الْأَصْلِ: الضِّيقُ، ويَقَع عَلَى الإثْم وَالْحَرَامِ "
وفِي مفرداتِ الرّاغِب :
" الحَرَجُ: اجتماعُ أَشْياءَ، ويلزَمُه الضِّيقُ، فاستُعْمِل فِيهِ، ثمَّ قيل: حَرِجَ، إِذا قَلِقَ وضاقَ صدرُه، ثمَّ استُعملَ فِي الشَّكّ لأَنّ النّفْس تَقلقُ مِنْهُ، وَلَا تَطْمَئنُّ " .
"تاج العروس" (5/ 474).
فهو فوق أنه ضيق الصدر : واقع في الإثم ، شاك ، قلق النفس ، غير مطمئن .
الثالث: أن الحرج في معنى الضيق ، ولكنه كرر للتأكيد ، كقول الشاعر :
وألفَى قولَها كَذِباً ومَيْنا
والكذب هو المين .
وقوله :
وهندٌ أتى مِنْ دونها النَّأْيُ والبُعْدُ
والنأي هو البعد .
قال مكي بن أبي طالب : " ومعنى حَرِج : كمعنى ضيق ، كرِّر لاختلاف لفظه للتأكيد " .
"الدر المصون" (5/ 145).
وقال ابن عاشور رحمه الله : " وإتْباع الضيِّق بالحرج : لتأكيد معنى الضيق ، لأنّ في الحرج من معنى شدّة الضّيق ما ليس في ضيق " انتهى، من "التحرير والتنوير" (9/445) .

وعلى ذلك : فإذا قلنا إن في الآية تكرارا ، فالمراد منه التأكيد .
وإن لم يكن فيها تكرار ، ففيها مزيد فائدة ، كما سبق ، وفي الجمع بينهما إشارة إلى ما يحصل له من الضيق ، والقلق ، والشك ، والريبة ، والوقوع في الإثم .

راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (146210).
والله تعالى أعلم .

تفسير القرآن
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب