درجة حديث صلاة ست ركعات بعد المغرب والمقارنة بين أحكام السيوطي والألباني على الأحاديث
تصاميم دعوية أكتب بها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السؤال هو : عندما أجد حديثا قال فيه المحدث الألباني " ضعيف ". وقال فيه المحدث السيوطي " صحيح " ماذا أفعل . هل يجوز نشر هذا الحديث والعمل به .
فهل يجوز العمل بـالحديث التالي :
( مَن صلَّى بعدَ المغربِ ستَ رَكعاتٍ لم يتَكلَّم بينَهنَ بسوءٍ عَدَلنَ عبادةَ ثِنتي عشرةَ سنةً )
[الراوي: أبو هريرة المحدث: النووي – المصدر : الخلاصة - الصفحة أو الرقم: 1/542.
خلاصة حكم المحدث: ضعيف]
عندما أقوم بنشر حديث ما أكتب بعده هل أكتب اسم الراوي أم حكم المحدث ما هو الأفضل ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
الحديث الوارد في السؤال يروى عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :
( مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا
بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً )
رواه الترمذي في " جامعه " (435) ، وابن ماجه في " السنن " (1167) ، ومحمد بن نصر
المروزي في " قيام الليل " (87) ، وأبو يعلى في " المسند " (10/413) ، وابن خزيمة
في " الصحيح " (2/207) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (1/250) ، وابن شاهين في "
الترغيب في فضائل الأعمال " (32) وغيرها من الكتب والأجزاء .
جميعهم من طريق : زيد بن الحباب ، قال : حدثنا عمر بن أبي خثعم ، عن يحيى بن أبي
كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة به مرفوعًا .
قال الطبراني : " لم يَروِ هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير إلا عمر بن عبد الله ،
تفرد به زيد بن الحباب " انتهى .
وهذا حديث ضعيف جدا ، بسبب عمر بن عبد الله بن أبي خثعم :
لذلك قال الإمام الترمذي – عقب روايته الحديث -: " حديث أبي هريرة حديث غريب لا
نعرفه إلا من حديث زيد بن الحباب ، عن عمر بن أبي خثعم . وسمعت محمد بن إسماعيل –
يعني الإمام البخاري – يقول : عمر بن عبد الله بن أبي خثعم منكر الحديث ، وضعفه جدا
" انتهى.
وقال أبو زرعة الرازي :
" واهي الحديث ، حدث عن يحيى بن أبي كثير ثلاثة أحاديث ، لو كانت في خمسمائة حديث
لأفسدتها " انتهى من " الضعفاء لأبي زرعة في أجوبته على أسئلة البرذعي " (2/543) .
وقال ابن حبان :
" كان ممن يروي الأشياء الموضوعات عن ثقات أئمة ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على
سبيل القدح فيه ، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب " انتهى من " المجروحين "
(2/83).
وقال ابن عدي :
" منكر الحديث " انتهى من " الكامل " (6/126) ، وانظر " تهذيب التهذيب " (7/468).
ثانيا :
لذلك اتفق أئمة الحديث على تضعيف هذا الحديث ورده ، فأورده أكثر من ترجم لعمر بن
عبد الله بن أبي خثعم ضمن أمثلة أحاديثه المنكرة ، وضعفه الإمام الترمذي كما سبق في
قوله : " غريب " . وقال ابن العربي : " منكر لا يلتفت إليه " كما في " عارضة
الأحوذي " (1/432)، وضعفه النووي في " الخلاصة " (1/542) ، وحكم عليه ابن القيم في
"المنار المنيف" (40) بأنه " موضوع "، وضعفه العراقي في " تخريج الإحياء " (1/233)
، وقال الشيخ الألباني : " ضعيف جدا "
إذن فالحديث حكمه النكارة والضعف الشديد ، ومثله لا يستدل به حتى في فضائل الأعمال
.
ثالثا :
الضعف الشديد لهذا الحديث لا يعني المنع من التطوع بالصلاة بين المغرب والعشاء ، بل
الصواب استحباب التنفل المطلق بين العشاءين ( المغرب والعشاء ) وذلك لأدلة عديدة :
الدليل الأول :
حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، وفيه : ( فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعِشَاءِ ) رواه أحمد في " المسند " (38/353) ،
والترمذي (3781) وقال : حسن غريب من هذا الوجه . وصححه المحققون في طبعة مؤسسة
الرسالة . والشيخ الألباني في " صحيح الترمذي ".
الدليل الثاني :
عمل الصحابة والتابعين ، وحرصهم على التنفل في هذا الوقت ، حتى عقد ابن أبي شيبة
رحمه الله في " المصنف " (2/14) بابا بعنوان : " في الصلاة بين المغرب والعشاء "،
روى فيه عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن عمه ، قال : ساعة ، ما أتيت عبد الله بن
مسعود فيها إلا وجدته يصلي ، ما بين المغرب والعشاء ، وكان يقول : هي ساعة غفلة .
وروى عن عبد الله بن عمر ، قال : صلاة الأوابين ، ما بين أن يلتفت أهل المغرب ، إلى
أن يُثَوَّب إلى العشاء .
الدليل الثالث :
أن الليل يبدأ بغروب الشمس ، فكل تطوع بعده ينال فضل " قيام الليل "، وقد روى ابن
أبي شيبة في " المصنف " (2/15) عن أنس رضي الله عنه أنه كان يصلي ما بين المغرب
والعشاء ، ويقول : هي ناشئة الليل .
الدليل الرابع :
ليس هذا الوقت من أوقات النهي عن الصلاة ، فالأصل جواز الصلاة فيه ، ولا حرج .
الدليل الخامس :
اتفقت مذاهب الفقهاء المعتمدة على استحباب الصلاة في هذا الوقت ، وأنه من أوقات
التنفل المعهودة لدى الصالحين .
جاء في " مراقي الفلاح " من كتب الحنفية (ص390):
" ندب ست ركعات بعد المغرب " انتهى.
ويقول النفراوي المالكي رحمه الله :
" ... التنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه ، أي حض عليه الشارع ؛ لما قيل : من أنها
صلاة الأوابين ، وصلاة الغفلة " انتهى من " الفواكه الدواني " (1/198).
ويقول الماوردي رحمه الله :
" روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بين المغرب وعشاء الآخرة .
وكان الصالحون من السلف رحمهم الله يصلونها ، ويسمونها صلاة الغفلة ، أي الناس
غفلوا عنها وتشاغلوا بالعشاء والنوم ، وهذا كله مختار ، والمداومة عليها أفضل ".
انتهى من " الحاوي الكبير " (2/287).
وجاء في " منار السبيل في شرح الدليل " (1/ 113):
" إحياء ما بين العشاءين من قيام الليل ، قال الإمام أحمد : قيام الليل من المغرب
إلى طلوع الفجر ، وعن قتادة عن أنس في قوله تعالى : ( كَانُوا قَلِيلاً مِنَ
اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) قال : كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء " انتهى.
وينظر الجواب رقم : (148482).
ثالثا :
ليست لدينا قاعدة مطلقة في المقارنة بين السيوطي والألباني في الحكم على الحديث ،
فالحَكَم بينهما هو الدليل ، والتخريج العملي للحديث مع دراسة أسانيده وأحوال رواته
.
ولكن يمكننا إرشاد غير المختصين إلى بعض الأمارات الظنية في الترجيح بينهما فنقول :
إذا سكت السيوطي على الحديث في " الجامع الصغير "، ولم يرمز له بالتصحيح أو التضعيف
. وفي الوقت نفسه ضعفه الشيخ الألباني صراحة ، فالأخذ بكلام الشيخ الألباني أولى من
حيث الأصل ، ذلك أن سكوت العالم على الحديث ليس تصريحا منه بحكمه ، لا تصحيحا ولا
تضعيفا ، وكثيرا ما يكون سبب السكوت هو إجراء الحديث على السلامة الأصلية ، أو
الاعتماد على النظرة الظاهرية الأولى ، من غير بحث شديد ولا تحرير ، فيقع الخطأ
الكثير بسبب ذلك .
أما حكم الشيخ الألباني على الحديث نفسه بالضعف الصريح ، وخاصة في كتبه التي توسع
في دراسة الأحاديث فيها ، مثل " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ، فإنما يطلق الحكم فيها
بعد دراسة خاصة ، وبحث شديد وتأمل ، فهو أولى بالصواب ممن حكم على الحديث من حفظه
وبادي رأيه . ويتأكد ذلك أيضا إذا كان حكم الألباني على الحديث بالضعف الشديد ،
وليس بالضعف اليسير فحسب ، فذلك أدعى للاحتياط في الحديث ، وعدم الاعتماد على سكوت
السيوطي عليه في " الجامع الصغير ".
أما إذا وقع الاختلاف في الحكم على الحديث تصريحًا من كل من الإمامين ، السيوطي
والألباني ، فتقليد غير المختص للشيخ الألباني ، فيما يبدو لنا : أقرب من تقليد
الإمام السيوطي رحمه الله ؛ لما للشيخ الألباني رحمه الله من عناية بالغة بأمر
الصنعة الحديثية ، والانكباب على علوم الحديث ، درسا ، ونقدا ، وتخريجا ، وتحقيقا .
ثم ، مع ذلك كله : قرب مأخذ تراث الشيخ الألباني في ذلك .
هذا مع إقرارنا ، بأمر لا يخفى على منصف ، وهو أعلمية السيوطي وتبحره في العلوم
كلها ، وتمكنه من كثير من العلوم حفظا وفهما وتصنيفا ، ولا نظن أحدا من المتأخرين
يتردد في تقديم السيوطي على الألباني في سعة العلوم ، ليس تعصبا لأي منهما ، ولكن
موضوعية في الطرح العلمي المقارن ، وإلا فكل منهما من العلماء الأجلاء المشهود لهم
بالعلم والتقوى .
لكن الفضيلة العامة ، والتقديم العام للإمام السيوطي ، لا يمنع أن يكون تراث الشيخ
الألباني ، وجهوده ، في جانب معين : أولى وأجدر بالقبول ، على الأقل بسحب ما ظهر
لنا من تصانيف الرجلين .
وينظر جواب السؤالين أرقام : (70455) ، (140158).
رابعا :
لا بأس بكتابة اسم الراوي أولا بعد نص الحديث ، أو قبل نص الحديث ، كما لا حرج في
تقديم حكم المحدث عليه أو تقديمه ، فكل ذلك الأمر فيه واسع ، ومستعمل في الكتب
ومتنوع فيها ، ولم نر للمحدثين تفضيلا لصيغة محددة على أخرى .
على أننا ننبه السائل ، أخيرًا ، إلى أن ما في الصحيح المتفق عليه ، على الأقل بين
السيوطي والألباني ، وما الجامع الصغير وغيره ، من الصحيح المليح ، ما يسد الثغرة
في الجانب الذي تطلبه ، ويغنيك عن الدخول في تلك المضايق .
والله أعلم.