هل يجب العدل بين الأحفاد أو غيرهم من الأقارب في العطية ؟
يريد أبي أن يعطي المنزل الذي يعيش فيه إلى حفيده والذي يبلغ من العمر 5 سنوات ، وقد كتب ذلك في عقد شرعي شهد عليه 3 أشخاص ، وأصبح المنزل بموجبه ملك حفيده مباشرة ، ولكنه لم يوثق هذه العملية في المحكمة حسب القانون البريطاني بسبب تكلفة هذه العملية ، وعليه فالمنزل لا زال ملك أبي حسب القانون البريطاني ، ولكنه كتب في وصيته أن المنزل سيكون من نصيب حفيده بعد وفاته .
فهل يجوز ذلك ؟ هل في ما فعله أبي مخالفة شرعية ؟
أرجو الإجابة فقد أثار ما فعله الخلاف بين أفراد العائلة حيث اعترض البعض ، على أن فعله لا يجوز شرعاً .
وهل العقد الذي كتبه للتنازل عن ملكية المنزل لحفيده يلغي ما يترتب حسب القانون البريطاني ؟ أم هل خالف بفعله قانون الميراث في الإسلام حيث أضر بوصيته الورثة ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
يجب على الأب أن يعدل بين أولاده في العطية ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم
: (22169) .
وهذا الحكم إنما هو في الأولاد فقط ، أما الأحفاد وغيرهم من الأقارب فلا حرج في
تفضيل بعضهم على بعض عند جمهور العلماء .
قال ابن قدامة في " المغني " (6/303) : " وجبت التسوية بين الأولاد بالخبر وليس
غيرهم في معناهم ؛ لأنهم استووا في وجوب بر والدهم فاستووا في عطيته ، وبهذا علل
النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( أيسرك أن يستووا في برك؟ ) ، قال : نعم ، قال
: ( فسوّ بينهم ) ولم يوجد هذا في غيرهم ... ولأن الأولاد لشدة محبة الوالد لهم ،
وصرف ماله إليهم عادة يتنافسون في ذلك " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " فإن قال قائل : وهل يشمل ذلك الجد ، يعني : لو
كان له أولادُ أولادٍ ، فهل يجب أن يُعَدِّل بينهم ؟
الجواب : الظاهر أنه لا يجب ؛ لأن قوة الصلة بين الأب وابنه ، أقوى من قوة الصلة
بين الجد وأبناء أبنائه ، لكن لو كان هناك خوف من قطيعة رحم ، فيتجه مراعاتهم بأن
يعطي من يعطي على وجه السر " انتهى من " الشرح الممتع " (11/84) .
فيجوز للجد أن يخص بعض أحفاده بهدية أو وصية ولكن بشرط أن لا يكون إعطاؤه للحفيد
حيلةً لزيادة نصيب ابنه الذي هو والد ذلك الحفيد . وينظر جواب السؤال : (153385)
.
ثانيا :
قد ذكرت أن والدك كتب في وصيته أن البيت سيكون من نصيب حفيده بعد وفاته ، وهذا
معناه أن الجد لم يُمَلِّك البيت لحفيده في حياته ، وإنما أوصى له به بعد وفاته ،
وهذا جائز بشرط أن يكون البيت ثلث تركة الجد فأقل ، فإن جاوز الثلث لم تنفذ الوصية
إلا في مقدار ثلث التركة فقط ، وما بقي (الثلثان) يكون للورثة ، يقسم عليهم حسب
القسمة الشرعية .
وينبغي أن تطيب أنفسكم بما يفعله والدكم في أمواله ما دام لم يفعل شيئا حراما ولم
يخالف الشرع ، وينبغي أن يعلم الجد أن الوصية لا تستحب شرعا إلا إذا كان الرجل غنيا
وترك لورثته ما يغنيهم ، فيوصي بما زاد على ذلك بشرط أن لا يتجاوز الثلث . قال الله
تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا
الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُتَّقِينَ) البقرة/180.
ومعنى : (تَرَكَ خَيْرًا) : أي : ترك مالا كثيرا .
قال ابن قدامة رحمه الله :
"وَاَلَّذِي يَقْوَى عِنْدِي : أَنَّهُ مَتَى كَانَ الْمَتْرُوكُ لَا يَفْضُلُ عَنْ
غِنَى الْوَرَثَةِ ، فَلَا تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْمَنْعَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ : (
أَنْ تَتْرُكَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً ) ...
فَمَتَى لَمْ يَبْلُغْ الْمِيرَاثُ غِنَاهُمْ ، كَانَ تَرْكُهُ لَهُمْ أَفْضَلَ
مِنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِغَيْرِهِمْ ، فَعِنْدَ هَذَا يَخْتَلِفُ الْحَالُ
بِاخْتِلَافِ الْوَرَثَةِ فِي كَثْرَتِهِمْ وَقِلَّتِهِمْ ، وَغِنَاهُمْ
وَحَاجَتِهِمْ ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَال . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ قَالَ الشَّعْبِيُّ : مَا مِنْ مَالٍ أَعْظَمُ أَجْرًا ، مِنْ مَالٍ
يَتْرُكُهُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ ، يُغْنِيهِمْ بِهِ عَنْ النَّاسِ " انتهى .
والله أعلم .