الحمد لله.
ثانيا :
يجب على السائل حضور الجمعة ما دام يقيم في بلد تقام فيها الجمعة ، إلا إن كان
مشغولا بإنقاذ نفس معصومة من هلكة ، أو دفع ضرر زائد ، أو تطبيبه في أمر عاجل ، أو
نحو ذلك مما لا يمكن تأخيره إلى ما بعد الجمعة .
فإن وُجد بديل ينوب عنه ، ممن لا تلزمه الجمعة ، أو أمكن تأخير ذلك كله من غير أن
يتضرر المريض : وجب عليه السعي لها .
وإن لم يوجد من ينوب عنه ، أو لم يمكن تأخير شيء من ذلك : جاز له ترك الجمعة .
وقد سئل علماء اللجنة
الدائمة للإفتاء (8/191) عن طبيب يناوب في المستوصف وقت صلاة الجمعة لمداواة مريض ،
أو إسعاف جريح يكون في حالة عاجلة ، هل يجوز له ترك صلاة الجمعة ، فأجابوا :
"الطبيب المذكور في السؤال قائم بأمر عظيم ينفع المسلمين ، ويترتب على ذهابه إلى
الجمعة خطر عظيم ، فلا حرج عليه في ترك صلاة الجمعة ، وعليه أن يصلي الظهر في وقتها
، ومتى أمكن أداؤها جماعة وجب ذلك ، لقول الله سبحانه : ( فاتقوا الله ما استطعتم )
". اهـ
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (36530)
.
ثالثا :
يجب عليك السعي إلى الجمعة ، وإن كان الخطيب يتكلم بلغة أجنبية ، لا تفهم من خطبته
شيئا ؛ لأن الحكمة من شهود الجمعة ليست مقتصرة على الاستفادة من الخطبة فقط ، بل إن
من أعظم منافعها اجتماع المسلمين ، وظهور تآلف قلوبهم ، وغير ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " المقصود من الجمعة والجماعة أيضا أن يحضر
المسلمون بعضهم إلى بعض ، وأن يكونوا أمة واحدة ، فيحصل فيهم التآلف والتراحم " .
انتهى من "مجموع فتاوى العثيمين" (16/78) .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (112041) ، و(21624) .
رابعا :
من كان عمله خارج المدينة ، لكنه يسمع النداء للصلاة ، فصلاة الجمعة مع جماعة
المسلمين واجبة عليه .
والدليل : عموم قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله ) الجمعة/9 ، فكل من سمع النداء داخل في عموم الآية ، وقد أخرج
أبو داود في سننه برقم (1058) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الجمعة على كل
من سمع النداء ) وحسنه الألباني رحمه الله .
والاعتبار في سماع النداء : أن يكون بصوت المؤذن بدون مكبر للصوت ، والأصوات هادئة
، والريح ساكنة ، وقد قدَّر العلماء هذه المسافة بما دون 5 كيلو متر تقريباً .
وينظر "المجموع" (4/353) ،
و"المغني" (2/106) ، وفي جواب السؤال رقم : (39054)
تفصيل ذلك .
ولما كان سماع النداء غير ممكن دائماً ، اعتبر تقدير ذلك بمظنته ، والموضع الذي يسمع فيه غالبا فرسخ ، قال شيخ الإسلام : " تجب الجمعة على من حول المصر عند أكثر العلماء ، وهو يقدر بسماع النداء ، وبفرسخ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/118) .
قال الشيخ ابن عثيمين : " والفرسخ قدروه بثلاثة أميال... والميل المعروف : كيلو وستمائة متر " انتهى من "الشرح الممتع" (4/351) .
وأما من كان خارج المدينة ،
ولم يكن بحيث يسمع النداء للصلاة ، فقد سقطت عنه صلاة الجمعة ، ويصليها ظهرا .
وقد كانت مدينة النبي صلى الله عليه وسلم حولها قبائل في زمن النبي صلى الله عليه
وسلم ، ولم يأمر من فيها بالسعي لصلاة الجمعة ، ولو كان ذلك لنقل ، فدل ذلك على عدم
وجوبها على مثل هؤلاء ، للمشقة التي تلحقهم في الانتقال من أماكن إقامتهم ، إلى حيث
تقام الجمعة .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله ، فيمن يخرجون أيام العطل خارج مدينة الرياض للنزهة ، غير ناوين السفر : " أما صلاة الجمعة فلا تجب عليهم إذا كانوا بعيدين عن البلد ، لا يسمعون الأذان , فرسخا أو أكثر " انتهى ملخصاً من "مجموع فتاوى ابن باز" (10/202).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
شباب خرجوا في رحلة إلى منطقة بعيدة ، ونزلوا في مكان بعيد من البلد ، لكنهم ما
زالوا يسمعون الأذان بسبب وجود المكبرات ، فهل تلزمهم الجمعة والجماعة مع أهل ذلك
البلد ؟
فأجاب :
"لا تلزمهم ، يعني : إذا بعدوا عن البلد بحيث لا يسمعون صوت المؤذنين ، لولا وجود
مكبر الصوت ؛ فلا تلزمهم ، وأما إذا كانوا قريبين من البلد ، بحيث لو كان المؤذنون
يؤذنون بغير مكبر ، لسمعوه : فإنه يلزمهم " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " اللقاء
رقم (149) .
وينظر " فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 8 / 221 ، 222) .
وخلاصة الجواب :
يجب على السائل حضور الجمعة ما دامت الجمعة تقام في المدينة التي يعيش فيها ، ولو
كانت كبيرة متباعدة الأقطار ، أو كان لا يفهم الخطبة لاختلاف اللغة .
ولا يرخص له في تركها ، إلا إذا كان مشغولا بإنقاذ مريض معصوم ، أو تطبيبه في أمر
عاجل ، أو كان خارج المدينة التي تقام فيها الجمعة بمسافة أكثر من فرسخ ، على ما
قدره العلماء .
والله أعلم .