الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

خطبة الجمعة بغير العربية

112041

تاريخ النشر : 25-04-2008

المشاهدات : 139660

السؤال

من فضلكم هل يمكنكم أن تُفصِّلوا ما يجب القيام به في صلاة الجمعة ؟ فنحن نقوم بالاستماع إلى خطبة بلغتنا ، ثم يقام الأذان ، ثم نصلي (4) ركعات سنة ، ثم يخطب الإمام خطبة بالعربية . فهل ما نقوم به صحيح ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
اتفق الفقهاء على أن الأَوْلى أن تكون الخطبة باللغة العربية ، ولكنهم اختلفوا في اشتراط ذلك، على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
أنه يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ولو كان السامعون لا يعرفون العربية .
وبهذا قال المالكية ، وهو المذهب والمشهور عند الحنابلة .
انظر: "الفواكه الدواني" (1/306)، "كشاف القناع" (2/34) .
القول الثاني :
يشترط أن تكون بالعربية للقادر عليها ، إلا إذا كان السامعون جميعاً لا يعرفون العربية فإنه يخطب بلغتهم .
وهذا هو الصحيح عند الشافعية ، وبه قال بعض الحنابلة .
انظر: "المجموع" للنووي (4/522) .
القول الثالث :
يستحب أن تكون بالعربية ولا يشترط ، ويمكن للخطيب أن يخطب بلغته دون العربية :
وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية .
انظر: "رد المحتار" (1/543) ، و"الموسوعة الفقهية" (19/180) .
وهذا القول الثالث هو الصحيح ، واختاره جماعة من علمائنا المعاصرين ، لعدم ورود دليل صريح يوجب كون الخطبة باللغة العربية ، ولأن المقصود من الخطبة هو حصول الوعظ والنفع والفائدة ، وذلك لا يكون إلا بلغة الحضور .
جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي جاء ما يلي :
" الرأي الأعدل هو أن اللغة العربية في أداء خطبة الجمعة والعيدين في غير البلاد الناطقة بها ليست شرطاً لصحتها ، ولكن الأحسن أداء مقدمات الخطبة وما تضمنته من آيات قرآنية باللغة العربية ، لتعويد غير العرب على سماع العربية والقرآن ، مما يسهل تعلمها ، وقراءة القرآن باللغة التي نزل بها ، ثم يتابع الخطيب ما يعظهم به بلغتهم التي يفهمونها " انتهى.
"قرارات المجمع الفقهي" (ص/99) (الدورة الخامسة، القرار الخامس)
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"لم يثبت في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه يُشترط في خطبة الجمعة أن تكون باللغة العربية ، وإنما كان صلى الله عليه وسلم يخطب باللغة العربية في الجمعة وغيرها ؛ لأنها لغته ولغة قومه ، فَوَعَظَ مَنْ يخطب فيهم وأرشدهم وذكَّرهم بلغتهم التي يفهمونها ، لكنه أرسل إلى الملوك وعظماء الأمم كتبا باللغة العربية ، وهو يعلم أن لغتهم غير اللغة العربية ، ويعلم أنهم سيترجمونها إلى لغتهم ليعرفوا ما فيها .
وعلى هذا يجوز لخطيب الجمعة في البلاد التي لا يعرف أهلها أو السواد الأعظم من سكانها اللغة العربية أن يخطب باللغة العربية ، ثم يترجمها إلى لغة بلاده ؛ ليفهموا ما نصحهم وذكَّرهم به ، فيستفيدوا من خطبته .
وله أن يخطب خطبة الجمعة بلغة بلاده مع أنها غير عربية ، وبذلك يتم الإرشاد والتعليم والوعظ والتذكير ويتحقق المقصود من الخطبة .
غير أن أداء الخطبة باللغة العربية ثم ترجمتها إلى المستمعين أَوْلى ، جمعا بين الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في خُطَبِه وكتبه ، وبين تحقيق المقصود من الخطبة خروجا من الخلاف في ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/253) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" ولعل الأظهر والأقرب والعلم عند الله تعالى أن يفصَّل في المسألة فيقال :
إن كان معظم من في المسجد من الأعاجم الذين لا يفهمون اللغة العربية فلا بأس من إلقائها بغير العربية ، أو إلقائها بالعربية ومن ثم ترجمتها .
وأما إن كان الغالب على الحضور هم ممن يفهمون اللغة العربية ، ويدركون معانيها في الجملة ، فالأولى والأظهر الإبقاء على اللغة العربية وعدم مخالفة هدى النبي صلى الله عليه وسلم ، لاسيما وقد كان السلف يخطبون في مساجد يوجد بها أعاجم ، ولم ينقل أنهم كانوا يترجمون ذلك ؛ لأن العزة كانت للإسلام والكثرة والسيادة للغة العربية .
وأما ما يدل على الجواز عند الحاجة فإن لذلك أصلاً في الشريعة ، وهو قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .
ومن ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم لما غزوا بلاد العجم من فارس والروم لم يقاتلوهم حتى دعوهم إلى الإسلام بوساطة المترجمين " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (12/372).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الصحيح في هذه المسألة أنه يجوز لخطيب الجمعة أن يخطب باللسان الذي لا يفهم الحاضرون غيره ، فإذا كان هؤلاء القوم ليسوا بعرب ، ولا يعرفون اللغة العربية ، فإنه يخطب بلسانهم ؛ لأن هذا هو وسيلة البيان لهم ، والمقصود من الخطبة هو بيان حدود الله سبحانه وتعالى للعباد ، ووعظهم ، وإرشادهم ، إلا أن الآيات القرآنية يجب أن تكون باللغة العربية ، ثم تفسر بلغة القوم .
ويدل على أنه يخطب بلسان القوم ولغتهم قوله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )
فبين الله تعالى أن وسيلة البيان إنما تكون باللسان الذي يفهمه المخاطبون ، فعلى هذا له أن يخطب باللسان غير العربي ، إلا إذا تلا آية فإنه لا بد أن تكون باللسان العربي الذي جاء به القرآن ، ثم بعد ذلك يفسر لهؤلاء القوم بلغتهم " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (فتاوى الصلاة/صلاة الجمعة)
وانظر جواب السؤال رقم: (984) .
ثانيا :
ينبغي أن لا تغير هيئة صلاة الجمعة إلى ما ذكر في السؤال ، حيث تقام فيها خطبتان ، خطبة قبل الأذان بلغة القوم ، وأخرى بعد الأذان باللغة العربية ، بل إما أن يخطب بلغة القوم ، وإما أن يخطب بالعربية ويترجمها في الحال وهو على المنبر باللغة الأخرى .
فقد سئل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عن ترجمة خطبة الجمعة إلى بعض اللغات الأجنبية ، وذلك بعد صلاة الجمعة في المسجد الحرام ، حتى يستفيد منها من لا يعرف اللغة العربية . فأجاب :
" لا نرى الموافقة على ما ذكر ، ولا يسوغ أن يخطب يوم الجمعة قبل الصلاة وبعدها .
وإذا كان المقصود إبلاغ الخطبة لمن لا يفهم اللغة العربية فيمكن أن تترجم الخطبة وغيرها من ضمن برامج الإذاعة في غير وقت صلاة الجمعة " انتهى.
"مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم" (3/20) .
ونحن نحث جميع المسلمين على تعلم اللغة العربية ، إذ هي لغة القرآن الكريم ، وبها تفهم الشريعة ، وتدرك معاني أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله :
" قد بينا غير مرة ، أن معرفة اللغة العربية واجبة على كل مسلم ؛ لأن فهم الدين وإقامة شعائره وأداء فرائضه ، كل ذلك موقوف على فهْم هذه اللغة ، ولا تصح إلا بها ، وخطبة الجمعة من أقلها تأكيداً وثبوتاً ، وإن كانت من أكبر الشعائر فائدة .
وقد كان الذين يدخلون في الإسلام من الأعاجم على عهد الصدر الأول يبادرون إلى تعلم اللغة العربية ؛ لأجل فهم القرآن والسنة ، والارتباط بصلة اللغة التي لا تتحقق وحدة الأمة بدونها ، وكان الصحابة يخطبون الناس باللغة العربية في كل بلاد يفتحونها ، وما كان يمر الزمن الطويل على بلاد يدخلونها إلا وتتحول لغتها إلى لغتهم في زمن قصير بتأثير روح الإسلام ، لا بالترغيب الدنيوي ولا بقوة الإلزام ، ولو كانوا يرون إقرار من يدخل في دينهم من الأمم الأعجمية على لغاتهم لبادروا هم إلى تعليم لغات تلك الأمم ، وأقاموا لهم فرائض الدين وعباداته بها ، وبقي الروماني رومانيّاً ، والفارسي فارسيّاً وهلم جرا .
وإن التفريق الذي نراه اليوم في المسلمين باختلاف اللغات ، هو من سيئات السياسة ومفاسدها الكبرى ، وإذا لم ترجع الدولتان العثمانية والإيرانية إلى السعي في تعميم اللغة العربية في مملكتيهما ، فسيأتي يوم تندمان فيه ، وإننا لا نعتد بإصلاحٍ في الهند ، ولا بغيرها من بلاد المسلمين ، ما لم يجعل ركن التعليم الأول تعلم العربية وجعلها لغة العلم " انتهى.
"مجلة المنار" (6/496) .
رابعاً :
أما صلاة أربع ركعات سنة قبل الجمعة ، فليس للجمعة سنة قبلها ، وإنما يشرع التطوع المطلق قبلها من غير تحديد بعدد ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (6653) و (14075) .
والله أعلم .


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب