حديث اقرأ القرآن في كل شهر حديث صحيح
ما صحة هذا الحديث - وقد ذكر فيه الصيام والقيام وعدد أيام قراءة القرآن في الشهر - :
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِى أَبِى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُغِيرَةِ الضَّبِّىِّ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : " زَوَّجَنِى أَبِى امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَىَّ جَعَلْتُ لاَ أَنْحَاشُ لَهَا ، مِمَّا بِى مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْعِبَادَةِ ، مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ !!
فَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى كَنَّتِهِ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهَا : كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ ؟
قَالَتْ : خَيْرَ الرِّجَالِ ، أَوْ كَخَيْرِ الْبُعُولَةِ مِنْ رَجُلٍ ؛ لَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفاً ، وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا فِرَاشاً !!
فَأَقْبَلَ عَلَىَّ ، فَعَذَمَنِى وَعَضَّنِى بِلِسَانِهِ ، فَقَالَ : أَنْكَحْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ ذَاتَ حَسَبٍ ، فَعَضَلْتَهَا وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ ؟!
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَشَكَانِى ؟
فَأَرْسَلَ إِلِىَّ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَيْتُهُ ، فَقَالَ لِى : ( أَتَصُومُ النَّهَارَ ) ؟
قُلْتُ : نَعَمْ .
قَالَ : ( وَتَقُومُ اللَّيْلَ ) ؟
قُلْتُ : نَعَمْ .
قَالَ : ( لَكِنِّى أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّى وَأَنَامُ وَأَمَسُّ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِى فَلَيْسَ مِنِّى ) .
قَالَ : ( اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِى كُلِّ شَهْرٍ ) .
قُلْتُ : إِنِّى أَجِدُنِى أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ .
قَالَ ( فَاقْرَأْهُ فِى كُلِّ عَشْرَةِ أَيَّامٍ ) ، قُلْتُ ... الحديث " ؟
الجواب
الحمد لله.
هذا الحديث صحيح ، اتفق على صحته العلماء ، واتفق على تخريجه الشيخان ، البخاري
ومسلم ، فقد روياه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ
:
" أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ ،
فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا ، فَتَقُولُ : نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ لَمْ
يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا ، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ .
فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَ : القَنِي بِهِ ، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ ، فَقَالَ : ( كَيْفَ
تَصُومُ ؟ ) ، قَالَ : كُلَّ يَوْمٍ ، قَالَ : ( وَكَيْفَ تَخْتِمُ ؟ ) ، قَالَ :
كُلَّ لَيْلَةٍ ، قَالَ : ( صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةً ، وَاقْرَأ القُرْآنَ
فِي كُلِّ شَهْرٍ ) ، قَالَ : قُلْتُ : أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : (
صُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الجُمُعَةِ ) ، قُلْتُ : أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ
، قَالَ : ( أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا ) ، قَالَ : قُلْتُ : أُطِيقُ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : ( صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ صَوْمَ دَاوُدَ ،
صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً )
، فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ
السُّبْعَ مِنَ القُرْآنِ بِالنَّهَارِ ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنَ
النَّهَارِ ، لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا ، وَأَحْصَى ، وَصَامَ مِثْلَهُنَّ ؛ كَرَاهِيَةَ
أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَلَيْهِ " .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : " وَقَالَ بَعْضُهُمْ : فِي ثَلاَثٍ ، وَفِي خَمْسٍ ،
وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى سَبْعٍ "
رواه البخاري (5052) تحت باب " في كم يقرأ القرآن " ، ومسلم (1159) تحت باب " النهي
عن صوم الدهر لمن تضرر به ، أو فوت به حقا ، أو لم يفطر العيدين والتشريق ، وبيان
تفضيل صوم يوم ، وإفطار يوم " .
والرواية المذكورة في السؤال فيها اختلاف يسير جدا عن رواية الإمام البخاري ومسلم
هنا ، فقد أخرجها الإمام أحمد في " المسند " (11/8) بسند صحيح ، قال عنه المحققون :
على شرط الشيخين .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" ( لم يفتش لنا كنفا ): هو الستر والجانب ، وأرادت بذلك الكناية عن عدم جماعه لها
.
( فلما طال ذلك ) أي : على عمرو ( ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ) وكأنه تأنى
في شكواه رجاء أن يتدارك ، فلما تمادى على حاله ، خشي أن يلحقه إثم بتضييع حق
الزوجة ، فشكاه .
وعند أبي داود والترمذي مصححا ، من طريق يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن
عمرو مرفوعا : " لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " ، وشاهده عند سعيد بن
منصور بإسناد صحيح من وجه آخر عن ابن مسعود : " اقرءوا القرآن في سبع ، ولا تقرءوه
في أقل من ثلاث " ولأبي عبيد من طريق الطيب بن سلمان ، عن عمرة ، عن عائشة : " أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يختم القرآن في أقل من ثلاث " .
وهذا اختيار أحمد ، وأبي عبيد ، وإسحاق بن راهويه ، وغيرهم .
وثبت عن كثير من السلف إنهم قرؤوا القرآن في دون ذلك .
قال النووي : والاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص :
فمن كان من أهل الفهم وتدقيق الفكر : استحب له أن يقتصر على القدر الذي لا يختل به
المقصود من التدبر واستخراج المعاني ، وكذا من كان له شغل بالعلم أو غيره من مهمات
الدين ومصالح المسلمين العامة ، يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما
هو فيه .
ومن لم يكن كذلك : فالأولى له الاستكثار ما أمكنه من غير خروج إلى الملل ، ولا
يقرؤه هذرمة ، وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم ، كما أن الأمر في جميع ذلك
ليس للوجوب ، وعرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق ، وهو النظر إلى عجزه
عن سوى ذلك في الحال أو في المآل .
وأغرب بعض الظاهرية فقال يحرم أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث .
وقال النووي : أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك ، وإنما هو بحسب النشاط والقوة
، فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص " انتهى باختصار من " فتح الباري " (9/
96-97) .
والله أعلم .