الحمد لله.
والذي بلغ بأبي ذر رضي الله عنه هذه المنزلة عدة فضائل فيه ، منها :
- حرصه الشديد على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مخالفته ، وقد بايعه على
ألا يخاف في الله لومة لائم .
فروى أحمد (21509) عن أبي ذَرٍّ، قَالَ: بَايَعَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا، وَوَاْثَقَنِي سَبْعًا، وَأَشْهَدَ عَلَيَّ تِسْعًا،
أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ. قَالَ أَبُو الْمُثَنَّى: قَالَ
أَبُو ذَرٍّ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
(هَلْ لَكَ إِلَى بَيْعَةٍ، وَلَكَ الْجَنَّةُ؟ ) قُلْتُ: نَعَمْ. وَبَسَطْتُ
يَدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ وَهُوَ يَشْتَرِطُ عَلَيَّ: (أَنْ لَا تَسْأَلَ
النَّاسَ شَيْئًا ) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (وَلَا سَوْطَكَ إِنْ يَسْقُطْ مِنْكَ،
حَتَّى تَنْزِلَ إِلَيْهِ فَتَأْخُذَهُ )
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (810)
وروى أحمد أيضا (21415) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: أَمَرَنِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ: (أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ، وَالدُّنُوِّ
مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي، وَلَا أَنْظُرَ إِلَى
مَنْ هُوَ فَوْقِي، وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ،
وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ
بِالْحَقِّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، وَأَمَرَنِي أَنْ لَا أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ
لَائِمٍ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا
بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ) .
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (811)
- ما عرف عنه من الصدق في القول والعمل :
روى الترمذي وابن ماجة (156) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَا أَقَلَّتِ
الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ
أَبِي ذَرٍّ ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قال السندي رحمه الله :
" الْمُرَادُ أَنَّهُ بَلَغَ فِي الصِّدْقِ نِهَايَتَهُ وَالْمَرْتَبَة الْأَعْلَى
" انتهى من "حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 68) .
- زهده في الدنيا وعبادته ، حتى بلغ في ذلك مبلغا عظيما .
روى البخاري (1407) ومسلم (992) - واللفظ له - عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ،
قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلَأٌ مِنْ
قُرَيْشٍ ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ
الْوَجْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِرَضْفٍ يُحْمَى
عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ، حَتَّى
يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفَيْهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفَيْهِ، حَتَّى
يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيَيْهِ يَتَزَلْزَلُ، قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ
رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا، قَالَ:
فَأَدْبَرَ، وَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ
هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ، قَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا
يَعْقِلُونَ شَيْئًا، إِنَّ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ دَعَانِي فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: أَتَرَى أُحُدًا؟ فَنَظَرْتُ مَا
عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ،
فَقُلْتُ: أَرَاهُ، فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَبًا
أُنْفِقُهُ كُلَّهُ إِلَّا ثَلَاثَةَ دَنَانِيرَ) ثُمَّ هَؤُلَاءِ يَجْمَعُونَ
الدُّنْيَا، لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، قَالَ: قُلْتُ: مَا لَكَ وَلِإِخْوَتِكَ مِنْ
قُرَيْشٍ، لَا تَعْتَرِيهِمْ وَتُصِيبُ مِنْهُمْ، قَالَ: " لَا، وَرَبِّكَ، لَا
أَسْأَلُهُمْ عَنْ دُنْيَا، وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ، حَتَّى أَلْحَقَ
بِاللهِ وَرَسُولِهِ " .
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو
ذَرٍّ؟ قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ وَحِمَاراً وَأَعْنُزاً وَرَكَائِبَ .
"سير أعلام النبلاء" (3/ 374)
وقال ابن عبد البر رحمه الله في "الاستذكار" (4/ 409):
" أَمَّا زُهْدُهُ وَعِبَادَتُهُ : فَقَدْ ذَهَبَ فِيهَا مَثَلًا " .
- بلوغه في العلم الرتبة العالية .
روى الضياء في "المختارة" (2/ 123) عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن أبي ذر فقال : "
وَعَى عِلْمًا ، شَحِيحًا حَرِيصًا ؛ شَحِيحًا عَلَى دِينِهِ ، حَرِيصًا عَلَى
الْعِلْمِ ، وَكَانَ يُكْثِرُ السُّؤَالَ، فَيُعْطَى وَيُمْنَعُ ، أَمَا أَنْ قَدْ
مُلِئَ لَهُ فِي وِعَائِهِ حَتَّى امْتَلأَ " انتهى.
- شدة خوفه من الله تعالى .
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/123) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 164):
عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: " وَاللهِ لَوْ تَعْلَمُونَ
مَا أَعْلَمُ مَا انْبَسَطْتُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ، وَلَا تَقَارَرْتُمْ عَلَى
فُرُشِكُمْ، وَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَنِي يَوْمَ
خَلَقَنِي شَجَرَةً تُعْضَدُ وَيُؤْكَلُ ثَمَرُهَا " .
وقال الذهبي رحمه الله في "السير" (3/ 368):
" كَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ وَالصِّدْقِ وَالعِلْمِ وَالعَمَلِ قَوَّالاً
بِالحَقِّ لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ "
انتهى .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (194318)
والله تعالى أعلم .