حكم وصف امرأة مسلمة بأنها من أنصار حقوق المرأة على الطريقة الإسلامية
ما حكم وصف امرأة مسلمة بأنها من أنصار حقوق المرأة على الطريقة الإسلامية ، حيث تعتقد بأنّه ينبغي معاملة المرأة بالمساواة مع الرجل ، وأن لا تتم معاملتها كربة منزل ، فخديجة بنت خويلد كانت ذات تجارة ؟
الجواب
الحمد لله.
مصطلح ( المساواة بين الرجل والمرأة ) مصطلح مشبوه ، يستعمله أعداء الإسلام ليضادوا
به أحكام الله سبحانه ، ويناقضوا به شرعه الحنيف ، وهو في جملته يشتمل على حق وباطل
:
أما الحق ؛ فلأن الإسلام سوَّى بين الرجل والمرأة في أمور :
منها:
الكرامة الإنسانية كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ
وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )الإسراء/70 ، وقال
صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ) رواه أحمد
(25663) ، وأبو داود (236) وغيرهما ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2333) .
ومنها :
الثواب والعقاب ، قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )النحل /97 ، وقال تعالى : ( إِنَّ
الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ
وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ
وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ
وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ
لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )الأحزاب/35 .
ومنها:
حرمة الإيذاء وحق النصرة ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا
وَإِثْمًا مُبِينًا )الأحزاب/ 58 ، وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ
وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ )البروج/10، وقال تعالى : ( وَمَا لَكُمْ لَا
تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ
وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ
هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا
وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا )النساء/75 .
وأما وجه اشتماله على باطل ؛ فلأن الشريعة المباركة فرَّقت بين الرجال والنساء في
أمور كثيرة سبق بيانها بالتفصيل في الفتوى رقم :(1105)
.
ولا يعني هذا تمييز الرجل في كل الأمور ، فقد جاءت الوصية بالأم ثلاثة أضعاف الوصية
بالأب – مثلاً – كما جاء في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ
بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ : ( أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ (قَالَ : ثُمَّ
أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، ( قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ
مَنْ ؟ ، ( قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ) " ، وقد قدَّم الله تعالى الإناث في بعض المواضع
مثل قوله تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ
الذُّكُورَ ) الشورى / 49 .
ويراجع الكلام على مفهوم التسوية في الإسلام في الفتوى رقم : (115534).
من هنا نعلم أن المناداة بالتسوية بين الرجل والمرأة من كل وجه دعوى خبيثة فاجرة ،
كما سبق بيانه في الفتوى المحال عليها آنفا ، أما المناداة بحقوق المرأة كما رسمتها
وحددتها الشريعة الغراء فهي دعوى عادلة كريمة ، فإن الإسلام جاء بتكريم المرأة
وضمان حقوقها بما يضمن لها السعادة في الدارين ، لم يحدد الإسلام مهمة المرأة كربة
منزل فقط - كما هو مذكور في السؤال - وإن كان هذا هو الأصل ، بل أباح للمرأة كل عمل
طيب يناسب طبيعتها ويحفظ دينها وكرامتها ، متى احتاجت إلى ذلك ، وفق ضوابط وشروط
سبق بيانها في الفتوى رقم: (106815) .
مع الانتباه إلى أن خديجة رضي الله عنها ، لم تكن تاجرة ، تباشر ذلك بنفسها ، كما
قد يبدو من السؤال ، إنما كانت ذات مال ، وكانت تضارب بمالها ذلك ، فيعمل لها فيه
الرجال ، ولا يعلم لخديجة ، بل لا نعلم امرأة من العرب ، كانت تخرج للتجارة في مثل
قوافل العرب ، بنفسها .
وعلى ذلك : فلا يجوز أن يطلق على امرأة مسلمة أنها من أنصار المساواة بين الرجل
والمرأة ، ويجوز أن يطلق عليها أنها من أنصار حقوق المرأة وفق شرع الله تعالى ؛ بل
لا وجه لتخصيص المرأة بنصرة حقوق المرأة ، ولا الرجل بنصرة حقوق الرجل ، ولو كان
وفقا لشرع الله ، إنما الرجل والمرأة ينصران شرع الله ، أينما كان ، وكائنا من كان
صاحب الحق ، كما أمر الله تعالى عباده بالقيام بالقسط ، والقول بالحق ، لا يخافون
في الله لومة لائم .
والله أعلم .