الثلاثاء 18 جمادى الأولى 1446 - 19 نوفمبر 2024
العربية

مفهوم المساواة في " الإسلام "

115534

تاريخ النشر : 21-07-2010

المشاهدات : 152952

السؤال

ما مفهوم المساواة في " الإسلام " ؟ .

الجواب

الحمد لله.


لفظ " المساواة " يحوي حقّاً وباطلاً ، وهو لفظ مشترك في الخير والشر ، وأكثر من يستعمله وينادي به الآن إنما يريد الباطل والشرَّ الذي فيه ، فاستعمالهم له إنما هو لجعل الناس سواسية متساويين لا يفرَّق بينهم بسبب الدين ، ولا الجنس ، فنادوا بمساواة المرأة بالرجل في كافة المجالات حتى تلك التي من خصائص الرجال ، كما نادوا بالمساواة في المواطنة ، وأنه لا ينبغي أن يكون الدين مفرِّقاً بين الناس ، فجمعوا بين الموحد والمشرك ، والمسلم والوثني ، وجعلوهم في سياق واحد ، لا يفرق الدِّين بينهم .
وأما الخير والحق الذي في هذا اللفظ فهو أن المسلمين متساوون أمام الشرع في أحكامه ، وتكاليفه ، فلا يفرَّق بين شريف ووضيع في إقامة الحدود ، ولا بين الرجل والمرأة ، إذا جاء أحدهم بما يستحق به جلداً ، أو رجماً ، أو قتلاً ، وقد جاءت أمثلة عملية على ذلك ، فحين سرقت امرأة من قبائل العرب الشريفة ، واستحقت قطع يدها : جاء من يشفع لها عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب ، وقال : ( إنَّمَا أَهْلَكَ الذينَ قَبْلَكُم أنَّهُم كانُوا إِذَا سَرَقَ ِفيهُم الشَّريفُ تَرَكُوه ، وَإِذَا سَرَقَ فيهُم الضَّعيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ) متفق عليه ، وعندما عيّر صحابي آخر بأمه السوداء : غضب الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : ( إِنَّكَ امْرُؤ فِيكَ جَاهِليَّة ) متفق عليه.

كما أن من أوجه المساواة بين الرجل والمرأة : الوعد في الآخرة بالثواب ، والجنة ، قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 .
هذا هو المعنى الحق الذي في هذا اللفظ ، وليس هذا ما يريده من ينادي بالمساواة .

وقد اعترف الإسلام بوجود " نفي المساواة " بين المسلمين في أبواب منه ، فنفى أن يستوي من آمن بالله وأنفق ماله قبل الحديبية ، وبين من آمن وأنفق بعدها ، كما نفى المساواة بين المجاهدين والقاعدين بغير عذر .
فالمساواة بين المرأة والرجل لها جانبان : حق ، وباطل ، فإذا أريد أنهما سواء في التكاليف والأحكام وإقامة الحدود : فالمعنى صحيح ، إلا ما استثناه النص ، وإذا أريد به أن الذكر كالأنثى في كل الأمور : فباطل ، والله تعالى يقول ( وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى ) فالمرأة تحتاج لولي في الزواج ، وليس الرجل كذلك ، والقوامة للرجل ، لا للمرأة ، والطلاق بيد الزوج ، لا الزوجة ، والجماعة والجهاد واجبان على الرجال دون النساء ، وثمة فروق أخرى في الدية ، والعقيقة ، والميراث .
وليس يعني هذا تمييز الرجل في كل الأمور ، فقد جاءت الوصية بالأم ثلاثة أضعاف الوصية بالأب – مثلاً – كما جاء في الحديث المتفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ : ( أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ ) ، وقد قدَّم الله تعالى الإناث في بعض المواضع مثل قوله تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ) الشورى / 49 .
وانظر تفصيلاً أوفى في جواب السؤال رقم : ( 1105 ) .

ولذا فإنه من دعا لمساواة المرأة بالرجل في كل الأمور : فهو داعية ضلال ، ودعوته : زندقة ، وإلحاد .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - :
قوله تعالى ( يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى ) .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه خلق الناس من ذكر وأنثى ، ولم يبين هنا كيفية خلقه للذكر والأنثى المذكورين ولكنه بين ذلك في مواضع أخر من كتاب الله .
فبيَّن أنه خلق ذلك الذكر - الذي هو آدم - من تراب ، وقد بيَّن الأطوار التي مر بها ذلك التراب ، كصيرويته طيناً لازباً ، وحمأً مسنوناً ، وصلصالاً كالفخار .
وبيَّن أنه خلق تلك الأنثى التي هي حواء من ذلك الذكر الذي هو آدم فقال : ( يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً ) النساء/ 1 ، وقال تعالى : ( هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) الأعراف/ 189 ، وقال تعالى : ( خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) الزمر/ 6 .
... .
قد دلت هذه الآيات القرآنية المذكورة على أن المرأة الأولى كان وجودها الأول مستنداً إلى وجود الرجل وفرعاً عنه ، وهذا أمر كوني ، قدري ، من الله ، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه .
وقد جاء الشرع الكريم المنزل من الله ليعمل به في أرضه بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي ، فجعل الرجل قائماً عليها ، وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها كما قال تعالى : ( الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء ) النساء/ 34 .
فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة : لا يمكن أن تتحقق ؛ لأن الفوارق بين النوعين كوناً وقدراً أولاً ، وشرعاً منزلاً ثانياً : تمنع من ذلك منعاً باتّاً .
ولقوة الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى : صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر .
ولا شك أن سبب هذا للعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر ، لتحطيم هذه الفوارق التي لا يمكن أن تتحطم .
وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشتبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال )
وقد قدمنا هذا الحديث بسنده في سورة " بني إسرائيل " ، وبينا هناك أن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ملعون في كتاب الله ، فلو كانت الفوارق بين الذكر والأنثى يمكن تحطيمها وإزالتها : لم يستوجب من أراد ذلك اللعن من الله ورسوله .
ولأجل تلك الفوارق العظيمة الكونية القدرية بين الذكر والأثنى فرَّق الله جل وعلا بينهما في الطلاق ، فجعله بيد الرجل دون المرأة ، وفي الميراث ، وفي نسبة الأولاد إليه .
وفي تعدد الزوجات دون الأزواج : صرح بأن شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد في قوله تعالى : ( فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان ) البقرة/ 282 .
فالله الذي خلقهما لا شك أنه أعلم بحقيقتهما ، وقد صرح في كتابه بقيام الرجل مقام امرأتين في الشهادة .
وقد قال تعالى : ( أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى . تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى ) النجم/ 21 ، 22 ، أي : غير عادلة ؛ لعدم استواء النصيبين ، لفضل الذكر على الأنثى .
ولذلك : وقعت امرأة عمران في مشكلة لما ولدت مريم ، كما قال تعالى عنها : ( فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أنثى والله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذكر كالأنثى ) آل عمران / 36 ، فامرأة عمران تقول : ( وَلَيْسَ الذكر كالأنثى ) ، وهي صادقة في ذلك بلا شك .
والكفرة وأتباعهم يقولون : إن الذكر والأنثى سواء .
ولا شك عند كل عاقل في صدق هذه السالبة ، وكذب هذه الموجبة .
وقد أوضحنا في سورة " بني إسرائيل " في الكلام على قوله تعالى : ( إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) الإسراء/ 9 وجه الحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل ، وتفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ، وتعدد الزوجات ، وكون الولد ينسب إلى الرجل ، وذكرنا طرفاً من ذلك في سورة " البقرة " في الكلام على قوله تعالى : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/ 228 ، وبيَّنا أن الفوارق الطبيعية بينهما كون الذكورة شرفاً وكمالاً وقوة طبيعية : خلقية ، وكون الأنوثة بعكس ذلك .
وبينا أن العقلاء جميعاً مطبقون على الاعتراف بذلك ، وأن من أوضح الأدلة التي بينها القرآن على ذلك اتفاق العقلاء على أن الأنثى من حين نشأتها تجلى بأنواع الزينة من حلي وحلل ، وذلك لجبر النقص الجبلي الخلقي الذي هو الأنوثة كما قال الشاعر :
وما الحلي إلا زينة من نقيصة ... يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وقد بيَّنا أن الله تعالى أوضح هذا بقوله : ( أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ ) الزخرف/ 18 ، فأنكر على الكفار أنهم مع ادعاء الولد له تعالى جعلوا له أنقص الولدين ، وأضعفهما خِلقة ، وجبلَّة ، وهو الأنثى ، ولذلك نشأت في الحِلية من صغرها ؛ لتغطية النقص الذي هو الأنوثة ، وجبره بالزينة ، فهو في الخصام غير مبين .
لأن الأنثى لضعفها الخلقي الطبيعي لا تقدر أن تبين في الخصام إبانة الفحول الذكور ، إذا اهتضمت وظلمت لضعفها الطبيعي .
... .
وأما الذكر فإنه لا ينشأ في الحلية ؛ لأن كمال ذكورته ، وشرفها ، وقوتها الطبيعية التي لا يحتاج معه إلى التزين بالحلية التي تحتاج إليه الأنثى : لكماله بذكورته ، ونقصها بأنوثتها .
ومما لا نزاع فيه بين العقلاء أن الذكر والأنثى إذا تعاشرا المعاشرة البشرية الطبيعية التي لا بقاء للبشر دونها : فإن المرأة تتأثر بذلك تأثراً طبيعيّاً كونيّاً قدريّاً مانعاً لها من مزاولة الأعمال ، كالحمل ، والنفاس ، وما ينشأ عن ذلك من الضعف ، والمرض ، والألم ، بخلاف الرجل : فإنه لا يتأثر بشيء من ذلك .
ومع هذه الفوارق لا يتجرأ على القول بمساواتهما في جميع الميادين : إلا مكابر في المحسوس ، فلا يدعو إلى المساواة بينهما إلا من أعمى الله بصيرته .
" أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن " ( 7 / 473 – 475 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
دين الإسلام : دين العدل في العمل ، والجزاء ، وانتبه " دين العدل في العمل ، والجزاء " وليس كما يقول المحدَثون : " إنه دين المساواة " ، هذا غلط عظيم ، لكن يتوصل به أهل الآراء والأفكار الفاسدة إلى مقاصد ذميمة ، حتى يقول : المرأة والرجل ، والمؤمن والكافر : سواء ، ولا فرق ، وسبحان الله ، إنك لن تجد في القرآن كلمة " المساواة " بين الناس ، بل لا بدَّ من فرق ، بل أكثر ما في القرآن نفي المساواة : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) وآيات كثيرة ، فاحذر أن تتابع ، فتكون كالذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً ، بدلاً من أن تقول : " الدين الإسلامي دين مساواة " قل : " دين العدل الذي أمر الله به ، يعطي كل ذي حق حقه " ، أرأيت المرأة مع الرجل في الإرث ، وفي الدية ، وفي العقيقة ، وفك الرهان ، يختلفون ، وفي الدِّين : المرأة ناقصة ، إذا حاضت لم تصل ، ولم تصم ، وفي العقل : المرأة ناقصة : شهادة الرجل بشهادة امرأتين ، وهلمَّ جرّاً ، والذين ينطقون بكلمة " مساواة " : إذا قررنا هذا ، وأنه من القواعد الشرعية الإسلامية : ألزمونا بالمساواة في هذه الأمور ، وإلا لصرنا متناقضين ، فنقول : دين الإسلام هو دين العدل ، يعطي كل إنسان ما يستحق ، حتى جاء في الحديث : ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) يعني : إذا أخطا الإنسان الشريف الوجيه في غير الحدود : فاحفظ عليه كرامته ، وأقله ، هذا الذي تقيله إذا كان من الشرفاء ، إقالتك إياه أعظم تربية من أن تجلده ألف جلدة ؛ لأنه كما قيل : الكريم إذا أكرمته : ملَكته ، لكن لو وجد إنسان فاسق ماجن : فهذا اشدد عليه العقوبة ، وعزره ، ولهذا لما كثر شرب الخمر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضاعف العقوبة بدل أربعين جعلها ثمانين ، كذلك الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن : ( من شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاجلدوه ، ثم إن شرب فاقتلوه ) ؛ لأن لا فائدة في جلده ، ثلاث مرات نعاقبه ولا فائدة ، إذن خير له ولغيره أن يقتل ، وإذا قتلناه استراح من الإثم ، كما قال الله عز وجل : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأَنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين ) .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 212 /المقدمة ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب