الحمد لله.
أولا :
إن الله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير ، لا يعجزه شيء في الأرض
ولا في السماء ، له سبحانه مطلق القدرة ، وكمال الإرادة ، (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) البقرة
/ 117.
قال تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/ 20 ، وقال عز وجل : ( أَلَمْ
تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة/ 106 .
قال القرطبي رحمه الله :
" فالله عز وجل قَادِرٌ مُقْتَدِرٌ قَدِيرٌ عَلَى كُلِّ مُمْكِنٍ يَقْبَلُ
الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ " .
انتهى من "تفسير القرطبي" (1/ 224) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا
عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : " طَائِفَةٌ " تَقُولُ هَذَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ
الْمُمْتَنِعُ لِذَاتِهِ ، مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ ، وَكَذَلِكَ
يَدْخُلُ فِي الْمَقْدُورِ كَمَا قَالَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ حَزْمٍ.
وَ" طَائِفَةٌ " تَقُولُ: هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ يَخُصُّ مِنْهُ الْمُمْتَنِعَ
لِذَاتِهِ ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي
الْمَقْدُورِ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَغَيْرُهُ ، وَكِلَا
الْقَوْلَيْنِ خَطَأٌ. وَالصَّوَابُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي عَلَيْهِ
عَامَّةُ النُّظَّارِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِذَاتِهِ لَيْسَ شَيْئًا
أَلْبَتَّةَ ، فَلَمْ يَدْخُلْ فِي قَوْلِهِ: (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
" انتهى ملخصا من "مجموع الفتاوى" (8/ 8-9) .
وليس لقدرة الله تعالى حد تقف عنده ، فله سبحانه القدرة المطلقة ، قال الراغب
الأصفهاني رحمه الله :
" محال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا، بل حقّه أن
يقال: قَادِرٌ على كذا، ومتى قيل: هو قادر، فعلى سبيل معنى التّقييد، ولهذا لا أحد
غير الله يوصف بالقدرة من وجه ، إلّا ويصحّ أن يوصف بالعجز من وجه، والله تعالى هو
الذي ينتفي عنه العجز من كلّ وجه. والقَدِيرُ:
هو الفاعل لما يشاء على قَدْرِ ما تقتضي الحكمة ، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه،
ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلا الله تعالى، قال: (إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) " انتهى من "المفردات" (ص 657-658) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إثبات القدرة المطلقة لله ، تتضمن أنه خالق كل شيء بقدرته " .
انتهى من "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 14) .
ثانيا :
أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية ، لا مجال فيها لرأي ولا اجتهاد ، وقد وصف الله
نفسه بالعلم ، فنصفه بالعلم ، ولا حرج أن نخبر عنه بالدراية ، أو بالمعرفة كما في
السؤال ، لكن لا يوصف الله تعالى بأنه : داري ، أو عارف ؛ فإن باب الإخبار أوسع ،
والأمر فيه أسهل من باب الوصف والتسمية .
وقد روى أحمد (21438) عَنْ
أَبِي ذَرٍّ : " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى
شَاتَيْنِ تَنْتَطِحَانِ، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِي فِيمَ
تَنْتَطِحَانِ؟ ) ، قَالَ: لَا ، قَالَ: "( لَكِنَّ اللهَ يَدْرِي، وَسَيَقْضِي
بَيْنَهُمَا ) ، وحسنه محققو المسند .
وروى ابن أبي شيبة (19356) عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عَوْفٍ الْأَحْمَسِيِّ ، قَالَ: "
كُنْتُ عِنْدَ عُمَرَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولُ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ فَسَأَلَهُ
عُمَرُ عَنِ النَّاسِ فَقَالَ: أُصِيبَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ آخَرُونَ لَا
أَعْرِفُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ: لَكِنَّ اللَّهَ يَعْرِفُهُمْ " .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (6/ 788) .
قال الشيخ صالح آل الشيخ :
" ودراية الله جل وعلا بـ ( فيم ينتطح الكبشان أو العنزان ) يعني : علمه سبحانه
وتعالى بذلك .
ومعلوم أن باب الإخبار أوسع من باب الوصف ، فإن لفظ أو صفة ( الدراية ) لا يوصف
الله جل وعلا بها، لكن يطلق على الله جل وعلا من جهة الإخبار أنه سبحانه وتعالى
يدري بهذا الشيء ، لأنها من فروع العلم .
فهناك صفات لها جنس ، فالعلم جنس تحته صفات ، فجنس ما هو ثابت ، يجوز إطلاقه على
الله جل وعلا من جهة الخبر " .
انتهى من "كتب صالح آل الشيخ" (36 /7) .