ماذا كان مذهب الإمام البخاري رحمه الله ؟
ماذا كان مذهب الإمام البخاري رحمه الله ؟
الجواب
الحمد لله.
أما مذهب الإمام البخاري رحمه الله الفقهي فقد كان مذهبا خاصا ، لم يكن مقلدا لأي
من المذاهب المتبوعة ، بل كان من أهل الاجتهاد المطلق ، وقد وصفه بالفقه كثير من
الأئمة ، حتى قال محمد بن بشار : " دخل اليوم سيد الفقهاء " كما في " تاريخ بغداد "
(2/6) .
وقال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر المديني : " محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر من
ابن حنبل ، فلما اعترض عليه بعض جلسائه قائلا : جاوزت الحد ، قال أبو مصعب : لو
أدركت مالكا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل لقلت : كلاهما واحد في الفقه
والحديث " .
ينظر "تاريخ بغداد" (2/19).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أما البخاري ، وأبو داود ، فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد .
وأما مسلم ؛ والترمذي ؛ والنسائي ؛ وابن ماجه ؛ وابن خزيمة ؛ وأبو يعلى ؛ والبزار ؛
ونحوهم ؛ فهم على مذهب أهل الحديث ، ليسوا مقلدين لواحد بعينه من العلماء ، ولا هم
من الأئمة المجتهدين على الإطلاق ، بل هم يميلون إلى قول أئمة الحديث كالشافعي ؛
وأحمد ؛ وإسحاق ، وأبي عبيد ؛ وأمثالهم " انتهى من " مجموع الفتاوى " (20/40) .
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله – في جواب من وصف تراجم البخاري بالتقليد - :
" ولأنه لزم منه أن البخاري يقلد في التراجم ، والمعروف الشائع عنه أنه هو الذي
يستنبط الأحكام من الأحاديث ، ويترجم لها ، ويتفنن في ذلك بما لا يدركه غيره "
انتهى من " فتح الباري " .
ويقول الشيخ محمد أنور الكشميري رحمه الله تعالى (ت1352هـ):
" البخاري عندي سلك مسلك الاجتهاد ولم يقلد أحدا في كتابه " .
انتهى من " فيض الباري " (1/438) .
هذا ولا ينكر أن بعض الأئمة المتقدمين نسبوا البخاري إلى مذاهبهم ، فذكره القاضي
ابن أبي يعلى الفراء في " طبقات الحنابلة " (1/271)، والسبكي في " طبقات الشافعية "
(2/3)، غير أن الوصف الأدق هو ما سبق تقريره أنه مجتهد مستقل بمذهبه ، أخذ الفقه عن
جميع المذاهب ، واطلع على مدارس الرأي والحديث ، ثم استقل بآرائه التي تنوعت فيها
اختياراته ما بين هذه المذاهب ، وقد أجمع على ذلك عامة الدراسات المختصة التي أنشئت
لدراسة " فقه الإمام البخاري "، وقفنا منها على نحو من خمس عشرة رسالة علمية مهمة ،
كلها تخلص بنتيجة في آخر المطاف ، أن تراجم الفقه في " صحيح البخاري " لا تنتسب إلى
مذهب معين ، لا في جميعها ولا معظمها ، بل تظهر فيها شخصية مجتهدة مستقلة .
يقول الدكتور نور الدين عتر :
" أما البخاري فكان في الفقه أكثر عمقا وغوصا ، وهذا كتابه كتاب إمام مجتهد غواص في
الفقه والاستنباط ، بما لا يقل عن الاجتهاد المطلق ، لكن على طريقة فقهاء المحدثين
النابهين ، وقد قرأ منذ صغره كتب ابن المبارك وهو من خواص تلامذة أبي حنيفة ، ثم
اطلع على فقه الحنفية وهو حدث – كما أخبر عن نفسه -، واطلع على فقه الشافعي من طريق
الكرابيسي ، كما أخذ عن أصحاب مالك فقهه ، فجمع طرق الاجتهاد إحاطة واطلاعا ، فتهيأ
له بذلك مع ذكائه المفرط وسيلان ذهنه أن يسلك طريق المجتهدين ، ويبلغ شأوهم . وهذا
كتابه شاهد صدق على ذلك ، حيث يستنبط فيه الحكم من الأدلة ، ويتبع الدليل دون
التزام مذهب من المذاهب ، والأمثلة التي ضمها بحثنا عن فقهه وما أوجزنا من القول في
عمق تراجمهم وتنوع طرق استنباطه ، يدل على أنه مجتهد بلغ رتبة المجتهدين ، وليس
مقلدا لمذهب ما ، كما يدعي بعض أتباع المذاهب " انتهى من " الإمام الترمذي
والموازنة بينه وبين الجامع الصحيح " (ص391) .
وينظر للفائدة : الحسيني هاشم في " الإمام البخاري محدثا وفقيها " (ص161-205) .
والله أعلم .