الحمد لله.
ثانيا :
الكلام المحكي في القرآن الكريم على ألسنة المتكلمين إنما هو بالمعنى وليس باللفظ ،
فإن القرآن كلام الله ، وليس كلام أحد من المخلوقين ، ولما كان كذلك كانت الأقوال
المحكية على ألسنة المتكلمين بها ، هي من كلام الله ، يقص به أخبار الأولين ، وينقل
كلامهم ، ولكنها تنسب إليهم باعتبار مضمون الكلام ومعناه .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (140060)
.
وبناء على هذا ، فكل ما في
القرآن من الأقوال المحكية عن أحد من الخلق هو كلام الله تعالى.
ولكن من حيث صحة الاستدلال به ، فينظر فيها : إن لم يردها الله على قائلها ،
ويبطلها عليه: فإنه يستدل بها على ما فيها من معانٍ ، ويقال فيها : قال الله تعالى
.
وأما إن ردها الله تعالى ، وأبطلها على قائلها : فإنه يقال فيها أيضا : قال الله
تعالى ، باعتبار أنه حكاها عن قائلها .
ولكن لا يستدل بها على ما فيها من معان ٍ، بل يبين أن الله تعالى أبطل هذا الكلام ،
وبين أنه غير صحيح .
وبناء على هذا : فقول الله تعالى عن لقمان في وصيته لابنه : (وَاقْصِدْ فِي
مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ
الْحَمِيرِ) لقمان/ 19 هذا الكلام كلام الله ، ويستدل به على ما فيه من معنى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: (وَاقْصِدْ
فِي مَشْيِكَ) " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (11/ 599) .
وقال أيضا :
" أَمَرَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ بِالسَّكِينَةِ وَالْقَصْدِ فِي
الْحَرَكَةِ وَالْمَشْيِ مُطْلَقًا فَقَالَ: (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ
مِنْ صَوْتِكَ) " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/ 565) .
وقال ابن كثير رحمه الله :
" هَذِهِ وَصَايَا نَافِعَةٌ ، قَدْ حَكَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ لُقْمَانَ
الْحَكِيمِ ؛ لِيَمْتَثِلَهَا النَّاسُ وَيَقْتَدُوا بِهَا ".
انتهى من "تفسير ابن كثير" (6/ 337) .
وكذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ
مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) يوسف/ 28 ، هو من كلام العزيز ، أو
من كلام الشاهد ، ولكن الله تعالى ذكره ولم يرده ، فهو إقرار له .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في رده على بعض الكتاب :
" ... وكذلك ، مِن غَلطه في حق القرآن : ما قاله حول قوله سبحانه في حق المرأة ، في
سورة يوسف : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) ؛ قال: ليس هو حكم الله تعالى على المرأة
، يعني فلا توصف المرأة بأن كيدها عظيم ، يقول: لأن هذا الكلام صدر عن الملك .
ونقول له: أليس الله سبحانه قد ساقه مقررا له ، لا منكرا له ، بل مؤيدا له أيضاً ،
بما حكاه الله عن يوسف عليه السلام أيضا من قوله: ( إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ
عَلِيمٌ )؟! " انتهى .
http://www.alfawzan.af.org.sa/node/2297
على أنه ينبغي مراعاة أن هذه الآية جاءت في سياق أحداث معينة ، فلا يجوز إخراجها عن
هذه الأحداث والسياق لتكون عامة شاملة لكل ما تكيد به النساء .
وقد سبق بيان هذا في الفتوى رقم : (211800)
.
والله أعلم .