الحمد لله.
ثانيا :
تطلق " الجارية " في اللغة ، ويراد بها عدة معان : منها : الفتية من النساء ،
والصغيرة التي لم تبلغ – وهو الأشهر بأصل الوضع العربي كالغلام في الرجال- ، وتطلق
على الرضيعة أيضا ، كما روى أبو داود (376) عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ ، وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ )
، صححه الألباني في " صحيح أبي داود " ، كما تطلق على الأمة .
كما تطلق الجارية على الشَّمْس ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لجَرْيِها مِنَ القُطر إِلَى
القُطْر ، قال الله تعالى : ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ
تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) يس/38 .
وتطلق على السَّفِينَة ، قال تعالى : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْناكُمْ
فِي الْجارِيَةِ ) الحاقة/11 ، سميت بذلك لأنها تجري في الماء .
وانظر : " لسان العرب " (14/141) ، " المعجم الوسيط " (1/119) .
قال أبو العباس الفيومي رحمه
الله :
" الْجَارِيَةُ : السَّفِينَةُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَرْيِهَا فِي الْبَحْرِ ،
وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَمَةِ : جَارِيَةٌ عَلَى التَّشْبِيهِ ، لِجَرْيِهَا
مُسْتَسْخَرَةً فِي أَشْغَالِ مَوَالِيهَا ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الشَّابَّةُ
لِخِفَّتِهَا ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى سَمَّوْا كُلَّ أَمَةٍ جَارِيَةً وَإِنْ
كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَقْدِرُ عَلَى السَّعْيِ ، تَسْمِيَةً بِمَا كَانَتْ
عَلَيْهِ " انتهى من " المصباح المنير " (1/98) .
فاشتقاق الجارية من الجري
والخفة .
ثالثا :
المقصود بالجارية في هذا الحديث : البنت الصغيرة .
قال نشوان الحميري رحمه الله : " [الجارية] : الفتاة الصغيرة " انتهى من " شمس
العلوم " (2/1048) .
وقال أبو العباس القرطبي
رحمه الله :
" الجارية في النساء كالغلام في الرجال ، وهما يقالان على من دون البلوغ منهما "
انتهى من " المفهم " ، وينظر : " شرح مسلم للنووي " (15/7) .
وقال القاري رحمه الله في
شرح هذا الحديث :
" (فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ) : أَيْ بِنْتٌ صَغِيرَةٌ " انتهى من " مرقاة المفاتيح "
(7/ 2729) ، وكذا قال في " عون المعبود " (10/ 172) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" يعني طفلة صغيرة " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/192) .
فهذه الجارية التي أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدها كانت طفلة صغيرة .
رابعا :
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ
الطَّعَامَ أَنْ لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) .
قال النووي رحمه الله :
" مَعْنَى ( يَسْتَحِلُّ ) : يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِهِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ
يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ إِذَا شَرَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ
اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْرَعْ فيه أحد فلا يتمكن " انتهى من "
شرح النووي على مسلم " (13/189) .
خامسا :
قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَإِنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ
لِيَسْتَحِلَّ بِهَا فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا ، فَجَاءَ بِهَذَا الْأَعْرَابِيِّ
لِيَسْتَحِلَّ بِهِ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ ) .
يعني : جاء بهما ليأكلا بدون تسمية ، فيستطيع أن يأكل معهما ، لأنه بذلك يكون طعاما
لم يذكر اسم الله عليه ، فمنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الأعرابي وهذه الجارية : جاء بهما الشيطان
لأجل أن يستحل الطعام بهما ، إذا أكلا بدون تسمية ، وهما قد يكونان معذورين لجهلهما
: هذه لصغرها ، وهذا أعرابي ، لكن الشيطان أتى بهما من أجل أنهما إذا أكلا بدون
تسمية ، شارك في الطعام " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .
سادسا :
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ يَدَهُ فِي يَدِي مَعَ
يَدِهَا ) .
قال النووي رحمه الله :
" هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ (يَدِهَا) وَفِي بَعْضِهَا (يَدِيهِمَا) ،
وَالتَّثْنِيَةُ تَعُودُ إِلَى الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ ، وَمَعْنَاهُ :
أَنَّ يَدِي فِي يَدِ الشَّيْطَانِ مَعَ يَدِ الْجَارِيَةِ وَالْأَعْرَابِيِّ .
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ يَدِهَا بِالْإِفْرَادِ : فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى
الْجَارِيَةِ وهو لا ينفي يد الأعرابي " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (13/189)
.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن يد الشيطان مع أيديهما في يد النبي صلى الله
عليه وسلم " انتهى من " شرح رياض الصالحين " (4/193) .
والمعنى : أن يد الشيطان كانت مع يد الجارية والأعرابي فلما أمسك النبي صلى الله عليه وسلم يديهما أمسك يد الشيطان أيضا .
سابعا :
الأعراب : هم سكان البادية ، يغلب عليهم الجهل والجفاء ، وقد هذبهم الإسلام .
فالأعرابي : من سكن البادية ، واشتقاقه من " عرب " .
قال الجوهري رحمه الله :
" العرب : جيل من الناس ، والنسبة إليهم عَرَبيّ بيِّن العروبة ، وهم أهل الأمصار .
والأعراب منهم سُكّانُ البادية خاصَّة . وجاء في الشعر الفصيح : الأعاريب . والنسبة
إلى الأعراب أعرابيٌّ ، لأنه لا واحد له . وليس الأعراب جمعاً لعرب ، وإنما العرب
اسم جنسٍ " انتهى من " الصحاح " (1/178) .
وانظر إجابة السؤال رقم : (131936) .
والله أعلم .