أخطئوا في تحديد زمرة دم المريض فتوفي بعد تغذيته بالدم
سؤالي يتعلق بوفاة والدي رحمه الله ، توفي في المستشفى بعد ما تم نقل دم له ، المشكلة أن أبي قال لي : إن دمه من زمرة ab+ ، لكني عند رؤية رخصة قيادته ، وجدت أنها b+. عندما قاموا بفحص دمه - على حسب قول الممرض - وجدوا أن دمه كما قال أبي ، لكني قبل تلك المرة أضفنا له b+ في نفس المستشفى . لكن عندما سألت الممرض ، وأكد لي فحصهم للدم ، تلاشى الشك الذي كان عندي . خاصة أن والدي كان متعبا جدا ، وكنت آمل أن يتعافى بعد إضافة الدم . فأضافوا له ab+ . فمات أبي .
بعد دفنه راودني الشك ثانية ، هل لي يد في موت والدي ، خاصة أني ألوم نفسي على عدم رفض ذلك الدم حتى يجرى اختبار آخر ؟
الجواب
الحمد لله.
إذا شُخص سبب الوفاة ، ورُبط باختلاف زمرة الدم المضافة عن زمرة الدم الأصلية ،
فهذا من القتل الخطأ الذي يستوجب التوبة والاستغفار ، وتلزم تبعيته على الطبيب أو
الممرض المباشر لعملية التغذية بالدم ، وهذا يعني وجوب الدية والكفارة عليه أيضا .
كما قال الله عز وجل : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا
خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) النساء/92.
وأما من جهتك أنت – ابن المتوفى – فلا يظهر لنا تعلق شيء من المسؤولية الشرعية أو
الأخلاقية بك ، ذلك أن تحديد زمرة الدم فحصٌ يسير لا يزيد عن الدقائق المعدودة ،
وكونك لم ترفض ذلك الدم ، لا يرتب الإثم عليك ؛ لأنها مسؤولية الطبيب المشرف ، أن
يطمئن إلى نوع الدم قبل تغذية المريض به ، وهذا هو الإجراء المتبع في المستشفيات
كما أخبرنا أهل الاختصاص ، وهذا يعني حقكم في مقاضاة الجهة التي تسببت بموت الوالد،
وإخلاء مسؤوليتكم بين يدي الله سبحانه وتعالى ، إذا كنتم قد استربتم في سبب الوفاة
، ورأيتم أنه قد حصل خطأ في الأمر .
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه :
" إذا أمر الرجل أن يحجمه ، أو يختن غلامه ، أو يبيطر دابته ، فتلفوا من فعله :
فإن كان فَعَل ما يُفعَل مثله ، مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك
الصناعة ، فلا ضمان عليه .
وإن كان فعل ما لا يَفعَل مثله مَن أراد الصلاح ، وكان عالما به : فهو ضامن " .
انتهى من " الأم " (6/ 185) .
ويقول الإمام الخطابي رحمه الله:
" لا أعلم خلافاً في المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامناً " .
انتهى من " معالم السنن " (4/ 39) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إن كان الطبيب ماهراً ، وكانت هذه الوفاة بسبب العملية نفسها ، دون خطأ من الطبيب
، فإنه لا شيء عليه .
وأما إذا كانت بخطأ منه ، أو كان غير ماهر ، فإنه يضمن ؛ لأنه إن كان غير ماهر فقد
تعدى حيث لا يجوز لأحد أن يتطبب بشخص وهو لا يعلم الطب . وإن كانت بخطأ منه ، فإن
إتلاف الأموال والأنفس لا يعتبر فيه القصد بالنسبة للضمان ، ولهذا قال الله تعالى :
( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ
مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى
أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا )
وهذا بخلاف إذا مات من العملية نفسها ، فإن العملية نفسها إذا كانت من ماهر ، عارف
بالجراحة ، ليس فيها خطأ ، وليس فيها تعدٍ ، فلا يكون الطبيب في هذه الحال ضامناً "
.
انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (9/ 2، بترقيم الشاملة آليا) .
ويقول الشيخ ابن جبرين رحمه الله :
" الذي يعطي دواءً وهو ليس من أهل المعرفة ، أعطى إنساناً دواء ، وكان ذلك الدواء
لا يناسبه ، فأكله فتضرر ومات بسببه ، اعتبر أيضاً متسبباً ، وورد في بعض الأحاديث
: ( من تطبب ولا يعلم منه طب فهو ضامن )
فإذا أعطاه دواء وهو ليس مناسباً له فهو ليس من أهل المعرفة ، فصدق عليه أنه متسبب
في الموت، وأمثلة الخطأ كثيرة تقاس على مثل هذا " .
انتهى من " شرح أخصر المختصرات " (75/ 10، بترقيم الشاملة آليا) .
نسأل الله تعالى لوالدك العفو والرحمة والمغفرة .
وللمزيد ينظر : (114047) ، (175020)
.
والله أعلم .