الحمد لله.
وقد كان ابن بدران رحمه الله
قد بين خطة جزئية في دراسة الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، ننقلها
هنا للإفادة منها ، حيث يقول :
" وذلك أن موفق الدين (يعني : ابن قدامة رحمه الله) راعى في مؤلفاته أربع طبقات :
فصنف " العمدة " للمبتدئين .
ثم ألف " المقنع " لمن ارتقى عن درجتهم ولم يصل إلى درجة المتوسطين ، فلذلك جعله
عريا عن الدليل والتعليل ، غير أنه يذكر الروايات عن الإمام ، ليجعل لقارئه مجالا
إلى كد ذهنه ليتمرن على التصحيح .
ثم صنف للمتوسطين " الكافي "، وذكر فيه كثيرا من الأدلة ، لتسمو نفس قارئه إلى درجة
الاجتهاد في المذهب حينما يرى الأدلة ، وترتفع نفسه إلى مناقشتها، ولم يجعلها قضية
مسلمة.
ثم ألف " المغني " لمن ارتقى درجة عن المتوسطين ، وهناك يطلع قارئه على الروايات
وعلى خلاف الأئمة ، وعلى كثير من أدلتهم ، وعلى ما لهم وما عليهم من الأخذ والرد .
فمن كان فقيه النفس حينئذ مرن نفسه على السمو إلى الاجتهاد المطلق ، إن كان أهلا
لذلك وتوفرت فيه شروطه ، وإلا بقي على أخذه بالتقليد .
فهذه هي مقاصد ذلك الإمام في مؤلفاته الأربع ، وذلك ظاهر من مسالكه لمن تدبرها ، بل
هي مقاصد أئمتنا الكبار ، كأبي يعلى ، وابن عقيل ، وابن حامد ، وغيرهم قدس الله
أرواحهم " .
انتهى من " المدخل إلى مذهب الإمام أحمد لابن بدران " (ص: 433) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله السؤال الآتي :
" نرى بعض الطلاب يبدؤون دراستهم في الفقه بفقه الاختلاف ، فهل هذه الطريقة سديدة ،
وهل دراسة الفقه تحتاج إلى تدرج ؟ بينوا لنا في ذلك .
فأجاب بقوله :
" ما معنى فقه الاختلاف ؟ يعني: اختلاف العلماء ، لا ، هذا غلط .
الذي يبدأ بالفقه بكتب الاختلاف فقد ضاع . يضيع بلا شك .
الأحسن أن يركز على مذهب معين ، ويتقن كتبه ، فإذا رسخ الفقه في ذهنه حينئذ ينظر في
كتب الاختلاف ، حتى إذا فتح الله عليه يرجح هذا أو هذا ، أما أن يبدأ بذكر خلاف وهو
ناشئ ، فهذا كالذي ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة " .
انتهى من " دروس للشيخ العثيمين " (11/ 29، بترقيم الشاملة آليا) .
فإذا تجاوز طالب العلم مرحلة
الدراسة المذهبية هذه ، وتمكن من استحضار المسائل وأدلتها ومآخذها في المذهب ، ملك
دربة قوية في التفقه والتعلم ، تمكنه من الانتقال إلى مرحلة المقارنة ، ودراسة ما
يسميه المعاصرون بـ " الخلاف العالي "، يعنون به " الفقه المقارن "، وهو الذي تعرض
فيه أقوال جميع الفقهاء مع أدلتها والمقارنة بينها ، وهي المرحلة التي ابتنى عليها
كتاب " فقه السنة " للسيد سابق رحمه الله ، لذلك كان الأولى بطالب العلم تأجيل
دراسته لهذا الكتاب ، - وجميع الكتب التي ألفت عليه تحقيقا واختصارا وتهذيبا – إلى
ما بعد المرحلة التأسيسية التي سبق توضيحها .
تنبيه :
هذا الجواب المذكور ، إنما هو في حق طالب العلم ، الذي يريد لنفسه منهجية ملائمة ،
يتدرج بها في مدارج الطلب ، على الطريقة التعليمية التي سلكها أهل العلم ، وليس من
غرضه الوقوف عند كتاب واحد يقرؤه ، بل يريد الاستمرار في طلب العلم حتى يصل فيه إلى
درجة عالية .
أما المسلم العادي ، وعوام المثقفين ، ونحوهم ، ممن يريد أن يحصل ما لا يسعه جهله
من علم ذلك الباب : فإن الذي نختاره له من بين الكتب المذكورة : هو كتاب " الفقه
الميسر" ، الذي أصدرته وزراة الأوقاف ، فهو أقربها مأخذا ، وأيسرها ، مع مراعاته
للقول الراجح في عامة المسائل التي يوردها ، واعتماده على كتب المحققين ، ولا سيما
شروح الشيخ ابن عثيمين ، رحمه الله ، وعنايته بالأدلة ، وترتيب المسائل ، وقرب
المأخذ .
ثم إذا انتهى منه ، وفهمه ، فإن أمكنه أن ينتقل بعد ذلك إلى كتاب "الملخص الفقهي"
للشيخ الفوزان ، مع كثرة المراجعة في كتاب "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين ، فهذا
أمر حسن جدا ، وهو يكفيه وزيادة ، إن شاء الله .
وفي هذه المرحلة الثانية ، بعد أن يكون قد درس كتابا أوليا ، ووعى مقاصده : يمكن
الاستفادة من كتاب "فقه السنة" ، والكتب التي دارت حوله .
وأما كتب الشيخ الألباني رحمه الله -على سبيل العموم ، التي ذكرها السائل وغيرها –
فهي كتب هامة ينبغي الحرص على قراءتها والاستفادة منها ، فإنها تمتاز بذكر الأدلة
مع سهولة الأسلوب والعبارة .
لكن "تمام المنة" و "الثمر المستطاب" لم يكملهما الشيخ الألباني ، ولذلك فمع أهمية
الاستفادة منهما ، لكنهما لا يحسن الاكتفاء بهما ، ولا جعلهما الأصل الذي يدور عليه
مذاكرته واهتمامه ، فإنهما لا يغطيان جانبا كبيرا من الأحكام التي يحتاج إليها
المسلم .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .