الحمد لله.
أولا :
روى مسلم (1226) عَنْ مُطَرِّفٍ، قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: "
إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ
الْيَوْمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ، فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ
ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ، ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ،
بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ " .
ورواه أحمد (19895) عَنْ مُطَرِّفٍ ولفظه : قَالَ لِي عِمْرَانُ: " إِنِّي
لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ ،
اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ ،
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُقَاتِلُونَ
عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ
، وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْمَرَ
طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ، فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ ذَلِكَ،
وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَضَى
لِوَجْهِهِ ؛ ارْتَأَى كُلُّ امْرِئٍ بَعْدَمَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْتَئِيَ "
وصححه محققو المسند على شرط الشيخين .
ثانيا :
تقدم في جواب السؤال رقم : (209098) أن
قوله : " خَيْرَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ " الصحيح أنه
موقوف من قول عمران رضي الله عنه ، وكذا صح من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير رحمه
الله ، ولا يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
و(الحمادون) : أي الذين يكثرون حمد الله على السراء والضراء.
"فيض القدير" (2/ 428) .
ثالثا :
قوله : (وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ
يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ، حَتَّى
يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ) .
صح مرفوعا ، رواه أبو داود (2484) عن عمران مرفوعا ، ولفظه : ( لَا تَزَالُ
طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ
نَاوَأَهُمْ، حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ) .
وروى البخاري (7311) ، ومسلم (156) عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه ،
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (لَا يَزَالُ طَائِفَةٌ
مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ)
.
وروى مسلم (1920) عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى
الْحَقِّ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ
كَذَلِكَ ) .
قال النووي رحمه الله :
" يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مُفَرَّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ
الْمُؤْمِنِينَ ، مِنْهُمْ شُجْعَانٌ مُقَاتِلُونَ، وَمِنْهُمْ فُقَهَاءُ،
وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ، وَمِنْهُمْ زُهَّادٌ، وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفَ
وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَمِنْهُمْ أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْخَيْرِ،
وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ، بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ
فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ " .
انتهى من "شرح النووي على مسلم" (13/ 67) .
وقال القاري رحمه الله :
" (ظَاهِرِينَ) : أَيْ: غَالِبِينَ مَنْصُورِينَ ، أَوْ مَعْرُوفِينَ مَشْهُورِينَ
(حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ) : أَيِ: الْمَهْدِيُّ وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ
وَأَتْبَاعُهُمَا (الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ) : وَيَقْتُلُهُ عِيسَى عَلَيْهِ
السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ
شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، بِبَابٍ لدّ ، مِنْ بَيَتِ الْمَقْدِسِ حِينَ حَاصَرَ
الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمُ الْمَهْدِيُّ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (6/ 2474) .
رابعا :
قوله : (وَاعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ
أَعْمَرَ طَائِفَةً مِنْ أَهْلِهِ فِي الْعَشْرِ... الخ) .
معنى (أعمر أهله) أي : جعلهم يعتمرون . والمراد بـ (العشر) : عشر ذي الحجة.
وأراد عمران بن الحصين رضي
الله عنه ذلك ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يحض الناس على الفصل بين الحج
والعمرة ، فيحجون في سفرة ، ويعتمرون في سفرة أخرى ، حتى يكون البيت معمورا طوال
العام ، وفهم طائفة من الصحابة رضي الله عنهم - ومنهم عمران بن حصين - أنه ينهى عن
التمتع ، فبيّن عمران في حديثه هذا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر أهله في عشر
ذي الحجة ، وحجوا لعامهم ، فصاروا متمتعين ، ثم قال : (فَلَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ
تَنْسَخُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ، حَتَّى مَضَى لِوَجْهِهِ ؛ ارْتَأَى كُلُّ
امْرِئٍ بَعْدُ مَا شَاءَ أَنْ يَرْتَئِيَ) .
والمراد تعريضه بعمر : أنَّ مَنْعَه التمتع رأيٌ رآه هو ، لا يصح أن تعارض به
السُّنَة الثابتة. و"ارتأى": افتعال من الرأي.
قال البيهقي رحمه الله في "سننه" (5/ 22):
" قَصْدُهُ : بَيَانُ جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْمُتْعَةَ الَّتِي نَهَى عَنْهَا عُمَرُ، أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ
حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، سَوَاءٌ جَمَعَ بَيْنَهَا بِإِحْرَامٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَحْرَمَ
بِالْعُمْرَةِ، وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ " انتهى من "شرح عمدة
الفقه" (2/ 524) .
وقال أيضا :
" و " مُتْعَةُ الْحَجِّ " : قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا،
وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: لَمْ
يُحَرِّمْهَا؛ وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْأَفْضَلِ، وَهُوَ
أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدُهُمْ مِنْ دويرة أَهْلِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛
فَإِنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ أَفْضَلُ مِنْ عُمْرَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ
بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (33/ 95) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" اخْتِيَارُهُ لِلنَّاسِ الْإِفْرَادَ بِالْحَجِّ، لِيَعْتَمِرُوا فِي غَيْرِ
أَشْهُرِ الْحَجِّ. فَلَا يَزَالُ الْبَيْتُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا، فَظَنَّ بَعْضُ
النَّاسِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ، وَأَنَّهُ أَوْجَبَ الْإِفْرَادَ " .
انتهى من "الطرق الحكمية" (ص 19) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ينهي عن المتعة ؛ لأنه يحب أن يعتمر الناس في
وقت، وأن يحجوا في وقت ، حتى يكون البيت دائماً معموراً بالزوار، ما بين معتمرين
وحجاج، فعل هذا اجتهاداً منه رضي الله عنه ، وهو من الاجتهاد المغفور، وإلا فلا شك
أن سنة الرسول عليه الصلاة والسلام أولي " انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1/ 153) .
والله تعالى أعلم .