الحمد لله.
وإذا كان الناس يرونها ، في
جميع البلدان ، بلا استثناء ؛ فمن المحتمل أن الناس يرون في كل بلد ، بحسب مطلعهم ،
ووقت شروقهم ، كما كانوا يرونها كل يوم ، وإن كانت قد خالفت بهم هذه المرة ، فخرجت
من المغرب ، بدلا من أن تخرج من المشرق ؛ فيكون اختلال النظام إنما هو في جهة
طلوعها وشروقها ، وليس في توقيتها المعتاد كل يوم .
وهذا هو الظاهر المتبادر .
ولا مانع ـ أن تظهر لأهل الأرض جميعا ، في وقت واحد ، وقد طلعت من مغربها ، بكيفية لا يعلمها إلا الله ، ويكون ذلك من جملة الآيات ، ومظاهر اختلال نظام الكون كله ؛ والله على كل شيء قدير .
روى أحمد (6881) عن عبد الله
بن عمرو قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (
إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ
الدَّابَّةِ ضُحًى، فَأَيَّتُهُمَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْأُخْرَى عَلَى
أَثَرِهَا ) ، ثُمَّ قَالَ عَبْدُ اللهِ - وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ -: "
وَأَظُنُّ أُولَاهَا خُرُوجًا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَذَلِكَ
أَنَّهَا كُلَّمَا غَرَبَتْ أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ
فِي الرُّجُوعِ، فَأُذِنَ لَهَا فِي الرُّجُوعِ، حَتَّى أراد الله أَنْ تَطْلُعَ
مِنْ مَغْرِبِهَا، فَعَلَتْ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ: أَتَتْ تَحْتَ الْعَرْشِ
فَسَجَدَتْ، وَاسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَلَمْ يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ ،
ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ، فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ
تَسْتَأْذِنُ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهَا شَيْءٌ، حَتَّى إِذَا ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ
مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَذْهَبَ، وَعَرَفَتْ أَنَّهُ إِنْ أُذِنَ لَهَا فِي
الرُّجُوعِ، لَمْ تُدْرِكِ الْمَشْرِقَ، قَالَتْ: رَبِّ، مَا أَبْعَدَ الْمَشْرِقَ،
مَنْ لِي بِالنَّاسِ؟ حَتَّى إِذَا صَارَ الْأُفُقُ كَأَنَّهُ طَوْقٌ،
اسْتَأْذَنَتْ فِي الرُّجُوعِ، فَيُقَالُ لَهَا: مِنْ مَكَانِكِ فَاطْلُعِي،
فَطَلَعَتْ عَلَى النَّاسِ مِنْ مَغْرِبِهَا "، ثُمَّ تَلَا عَبْدُ اللهِ هَذِهِ
الْآيَةَ: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا
لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) " .
وصححه محققو المسند على شرط الشيخين.
والمؤمن يؤمن بما جاء في الكتاب والسنة ، ويترك كيفية حدوث ذلك إلى علم الله وقدرته، ويعلم أن الله على كل شيء قدير ، فينظر فيما جاء من الأخبار ، فيؤمن بها ، ويعمل بمقتضاها، ولا يشغل نفسه بما وراء ذلك من الكيفيات التي لا طائل تحتها .
والله أعلم.