حكم قول بعضهم " حدّثوا ربكم عن ما يؤلمكم فمن يجبر قلوبنا سواه " .
هل يجوز هذا الكلام في حق الله تعالى ( حدّثوا ربكم عن ما يؤلمكم فمن يجبر قلوبنا سواه ) ؟
الجواب
الحمد لله.
لا يظهر حرج في هذا القول ؛ لأن معناه : حث المكروبين على سؤال الله ، ومناجاته ،
وبث أحزانهم وهمومهم وشكاواهم لرب العالمين ، وسؤاله : أن يَجبُرهم ويرفع ما نزل
بهم ، مما يؤلمهم ويضيق عليهم .
وهذا اللفظ " حدثوا " : هو كلفظ المناجاة والمخاطبة والمناشدة الوارد في الأحاديث ،
وكلام السلف ، والمقصود بها جميعها السؤال والدعاء .
قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ،
فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلاَ عَنْ
يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ ) أخرجه البخاري (413) ،
ومسلم (551) .
وفي حديث عمر بن الخطاب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر :( فَمَا زَالَ
يَهْتِفُ بِرَبِّهِ ، مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ
رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ ،
فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ ، وَقَالَ :
يَا نَبِيَّ اللهِ ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ
مَا وَعَدَكَ) رواه مسلم (1763) .
وفي مسند أحمد (4928) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أَمَا إِنَّ
أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَعْلَمْ
أَحَدُكُمْ مَا يُنَاجِي رَبَّهُ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ
بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ ) .
ومعنى المناجاة : المخاطبة ، والمحادثة .
قال الشيخ علي القاري : " ( فإنما يناجي الله ) أي : يخاطبه ما دام في مصلاه " .
انتهى من " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (2/600) .
ونقل ابن رجب عن بكر المزني أنه قال : " مَنْ مِثْلُكَ يَا ابْنَ آدَمَ ، خُلِّيَ
بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْمِحْرَابِ وَالْمَاءِ ، كُلَّمَا شِئْتَ دَخَلْتَ عَلَى
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ " .
انتهى من " جامع العلوم والحكم " (1/132) .
وعن ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ قال : " قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ عِيسَى
عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ ، كَلِّمُوا اللَّهَ
كَثِيرًا ، وَكَلِّمُوا النَّاسَ قَلِيلًا قَالُوا : كَيْفَ نُكَلِّمُ اللَّهَ
كَثِيرًا ؟ قَالَ : اْخُلُوا بِمُنَاجَاتِهِ ، اخْلُوا بِدُعَائِهِ " أخرجه عنه أبو
نعيم في " الحلية " (6/195) .
والله أعلم .