حسب نظام الشراكة المتناقصة تقوم المؤسسات المالية الإسلامية في بريطانيا ببيع حصتها للعميل بشكل شهري إلى أن تستوفى كامل الحصة ، وقد قرأت جواب السؤال رقم : (150113) ، وذكر أحد البنوك الإسلامية البريطانية أنّ الحصة التي يشتريها العميل تكون بناء على سعر الأصلي وليس سعر السوق ، فهل يجوز ذلك إن وافق العميل على ذلك ؟ كما ذكر البنك أنه حتى يتمكنوا من المحافظة على أسعار إيجار تنافسية فهم لا يتحملون مسؤولية الصيانة والتأمين ، فهل يجوز أن يتحمل العميل كامل كلفة الصيانة إن وافق على ذلك ؟
الحمد لله.
الشركة المتناقصة : " هي اتفاق طرفين على إحداث (إنشاء) شركة ملك بينهما ، في مشروع أو عقار أو منشأة صناعية أو غير ذلك، على أن تنتهي بانتقال حصة أحد الشريكين (الممول) إلى الآخر تدريجيا بعقود بيع مستقلة متعاقبة " " مجلة مجمع الفقه الإسلامي "، العدد 13 (2/ 513) من بحث للدكتور نزيه حماد.
وقد سبق بيان ضوابط التعامل بهذه الشركة في جواب السؤال رقم: (150113).
ومن هذه الضوابط يعلم ما يلي:
أولا:
يجب أن تتم ثلاثة عقود، لا تداخل بينها، ولا يشترط أحدها لإتمام الآخر، ويترتب على كل عقد أحكامه المقررة شرعاً، وهذه العقود هي:
1-أن تشتري المؤسسة المالية والعميل العقار على المشاع ، كل حسب مساهمته ، بحيث يشتركان في دفع التأمين الإلزامي ، والصيانة ، والضرائب ، ورسوم نقل ملكية العقار وغيرها، كل بنسبة ملكيته ، ويتحملان مخاطر تلف العقار بنفس النسبة.
2-تأجير العقار على العميل-كما هو الغالب- أو على غيره.
3-شراء العميل حصة المؤسسة بالتدريج، بناء على وعد سابق، وقد أجاز مجمع الفقه أن يكون الوعد ملزماً لأحد الطرفين فقط ، ويكون للطرف الآخر الخيار، إن شاء قبل وإن شاء رفض، ولا يجوز أن يكون الوعد ملزماً للطرفين معا؛ لأنه يكون في حكم البيع ، ولا يجوز البيع المستقبل، كما لا يجوز اشتراط البيع في عقد الشركة .
ويجب إبرام عقد البيع عند تملك كل حصة ، ولو كان العقد لفظياً فقط.
ثانيا:
لا يجوز التعهد بشراء الحصص بقيمتها عند ابتداء المشروع؛ لأن هذا ضمان لرأس مال الشريك، وهو ممنوع شرعاً، بل يكون بيع الحصة حسب سعرها في السوق ، أو ما يتفقان عليه وقت البيع، وبهذا يشتركان في الخسارة لو انخفض سعر العقار، ويشتركان في الربح عند ارتفاعه.
قال ابن قدامة في بيان الشروط الفاسدة في الشركة:
"أو يشترط على المضارب ضمان المال ، أو سهما من الوضيعة ، أو أنه متى باع السلعة فهو أحق بها بالثمن، أو شرط المضارب على رب المال شيئا من ذلك، فهذه كلها شروط فاسدة، وقد ذكرنا كثيرا منها في غير هذا الموضع معلَّلا... والحكم في الشركة ، كالحكم في المضاربة سواء" انتهى من "المغني " (5/186).
وجاء في "المعايير الشرعية" (ص199) :
"يجوز أن يصدر أحد أطراف الشركة وعداً ملزماً بشراء موجودات الشركة خلال مدتها ، أو عند التصفية ، بالقيمة السوقية ، أو بما يتفق عليه عند الشراء، ولا يجوز الوعد بالشراء بالقيمة الاسمية" انتهى .
وجاء فيها (ص 215) :
"مستند عدم جواز الوعد الملزم من قبل أحد أطراف الشركة ، بشراء موجودات الشركة بالقيمة الاسمية: أنه بمثابة ضمان لرأس المال، وهو ممنوع شرعاً.
ومستند جواز الوعد بشرائها بالقيمة السوقية : أنه ليس في ذلك ضمان بين الشركاء" انتهى.
وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي- في الجواب المحال عليه- : "عدم التعهد بشراء أحد الطرفين حصة الطرف الآخر ، بمثل قيمة الحصة عند إنشاء الشركة، لما في ذلك من ضمان الشريك حصة شريكه، بل ينبغي أن يتم تحديد ثمن بيع الحصة ، بالقيمة السوقية يوم البيع ، أو بما يتم الاتفاق عليه عند البيع" انتهى .
ثالثا:
لا يجوز جعل مصاريف الصيانة والتأمين على العميل؛ لأن هذا مناف لمقتضى الشركة التي عمادها الاشتراك في الربح والخسارة، وفي قرار المجمع الفقهي :
"عدم اشتراط تحمّل أحد الطرفين مصروفات التأمين أو الصيانة وسائر المصروفات، بل تحمّل على وعاء المشاركة ، بقدر الحصص).
ولا يجوز فرض ذلك على العميل باعتباره مستأجراً للعقار، فإن المستأجر لا يجوز اشتراط الصيانة عليه؛ لما يؤدي إليه من جهالة الأجرة التي تلزمه، وهذا مفسد لعقد الإجارة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/ 286): " ولا يجوز اشتراط صيانة العين على المستأجر ؛ لأنه يؤدي إلى جهالة الأجرة ، فتفسد الإجارة بهذا الاشتراط باتفاق المذاهب" انتهى.
والحاصل أنه لا يجوز الدخول في العقد المذكور لاشتماله على محذورين:
الأول: التعهد بشراء حصة المؤسسة بقيمتها الاسمية.
والثاني: جعل الصيانة والتأمين على العميل.
وهذان منافيان لعقد الشركة، فيكون الأمر حيلة على التمويل الربوي، بحيث يدفع العميل للمؤسسة أكثر مما أخذ منها، تحت مسمى الشركة والإجارة.
والله أعلم.