الحمد لله.
قال النووي رحمه الله :
" وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ
مَذَاهِبَ ( أَحَدُهَا ) : لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِأَكْلِ شَيْءٍ ، سَوَاءٌ مَا
مَسَّتْهُ النَّارُ ، وَلَحْمُ الْإِبِلِ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَبِهِ قَالَ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي طَلْحَةَ
وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ
رضي الله عنهم " انتهى من " المجموع " (2/67) .
وقد أنكر شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله ، نسبة ذلك القول إلى الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم ، فقال رحمه
الله :
" وَأَمَّا مَنْ نَقَلَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ، أَوْ جُمْهُورِ
الصَّحَابَةِ ، خِلَافَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا
يَتَوَضَّئُونَ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ : فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِمْ ، وَإِنَّمَا
تَوَهَّمَ ذَلِكَ لِمَا نُقِلَ عَنْهُمْ : " أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا
يَتَوَضَّؤُونَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ " .
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ أَكْلَ مَا مَسَّ النَّارَ لَيْسَ هُوَ سَبَبًا
عِنْدَهُمْ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ ، وَالَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ ، لَيْسَ
سَبَبُهُ مَسَّ النَّارِ ، كَمَا يُقَالُ : كَانَ فُلَانٌ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ
مَسِّ الذَّكَرِ ، وَإِنْ كَانَ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ " .
انتهى من " القواعد النورانية " (ص/31) .
وقال الشيخ الألباني رحمه
الله :
" إن صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم باعتراف المؤلف [ يعني : الشيخ سيد سابق
رحمه الله] ، فلا يجوز تركه مهما كان المخالفون له في العدد والمنزلة ، فإن حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما " يثبت بنفسه لا بعمل غيره من بعده " كما قال
الإمام الشافعي ... .
أقول هذا ، على افتراض أن ما
ذكره المؤلف عن الخلفاء الراشدين من مخالفة الحديث ثابت عنهم ؛ وإلا فإني أقول :
أين السند الصحيح بذلك عنهم ؟ وهذا أقل ما يجب على من يريد أن يرد حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره له ؟!
وليس للمؤلف أي دليل أو سند
في إثبات ذلك ، إلا اعتماده على ما ذكره النووي في " شرح مسلم " أنه : " ذهب
الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء يعني أكل لحم الجزور ، وممن ذهب إليه الخلفاء
الأربعة الراشدون " .
وهذه الدعوى خطأ من النووي
رحمه الله ، قد نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – ثم ذكر كلام شيخ
الإسلام السابق - .
قلت : ويؤيد ما ذكره شيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، أن الطحاوي 1 / 41 ، والبيهقي 1 / 157 : رويا عن
جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب : أكلا خبزا ولحما
، فصليا ولم يتوضئا ، ثم أخرجا نحوه عن عثمان ، والبيهقي عن علي.
فأنت ترى أنه ليس في هذه
الآثار ذكر للحم الإبل البتة ، وإنما ذكر فيها اللحم مطلقا ، وهذا لو كان عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، لوجب حمله على غير لحم الإبل ؛ دفعا للتعارض ، فكيف وهو
عن غيره صلى الله عليه وسلم ، فحمله على غير لحم الإبل واجب ، من باب أولى ؛ حملا
لأعمالهم على موافقة الشريعة ، لا على مخالفتها ؛ ولذلك أورد الطحاوي والبيهقي هذه
الآثار في باب " الوضوء مما مست النار " ولم يوردها البيهقي في " باب التوضؤ من
لحوم الإبل " ، وإنما قال فيه:
" وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس : الوضوء مما خرج وليس مما دخل ، وإنما قالا
ذلك في ترك الوضوء مما مست النار " .
ثم روى البيهقي فيه بسنده عن
ابن مسعود أنه أكل لحم جزور ، ولم يتوضأ .
ثم قال : " وهذا منقطع وموقوف ، وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم " .
قلت : وبخاصة أنه ثبت عن
الصحابة خلافه ، فقال جابر بن سمرة رضي الله عنه : " كنا نتوضأ من لحوم الإبل ، ولا
نتوضأ من لحوم الغنم " رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " 1 / 46 بسند صحيح عنه "
انتهى من " تمام المنة " (ص/ 104 - 106) .
وبناء على هذا ، فنسبة ذلك
القول إلى الخلفاء الراشدين ، ليس عليه دليل ، وإنما المنقول عنهم : ترك الوضوء مما
مست النار عموماً .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وَمَا عَدَا لَحْمَ الْجَزُورِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ : لَا وُضُوءَ فِيهِ ، سَوَاءٌ
مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ .
هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ . رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ ... " انتهى من " المغني " (1/141) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال
رقم : (7103) .
والله أعلم .