الحمد لله.
هل لحم الإبل ينقض الوضوء؟
الصحيح أنه يجب الوضوء من أكل لحوم الإبل صغيراً كان أو كبيراً ذكراً أو أنثى مطبوخاً أو نيئاً، وعلى هذا دلّت الأدلّة:
- حديث جابر، سئل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، قال: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال:إن شئت. رواه مسلم (360).
- حديث البراء، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل؟ قال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم فقال لا يتوضاٌ. رواه أبو داود (184) الترمذي (81) وصححه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه.
رد من لم يوجبوا الوضوء من لحم الإبل
وأما الذين لم يوجبوا الوضوء من لحم الإبل، فإنهم ردوا بأشياء، منها:
- بأن هذا الحكم منسوخ، ودليلهم: حديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسّت النار. رواه أبو داود (192) والنسائي (185).
وهذا الرد لا يقابل النص الخاص السابق في “صحيح مسلم”.
ثم إنه ليس فيه دليل على النسخ؛ لأنهم سألوا أنتوضأ من لحوم الغنم؟ فقال: إن شئت.
فلو كان هذا الحديث منسوخاً لنسخ حكم لحم الغنم ولما قال: “إن شئت”: دل على أن هذه الأحاديث لاحقة لحديث جابر. والنسخ لا بد فيه من دليل يفيد أن الناسخ مقدم في التاريخ ولا دليل.
ثم إن حديث النسخ عام، وهذا خاص يخصص عموم الحديث. ثم إن سؤاله عن لحوم الغنم يبين أن العلة ليست في مس النار لأنه لو كان كذلك لتساوت لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك.
- واستدلوا بحديث: الوضوء مما يخرج لا مما يدخل.
والرد: الحديث: رواه البيهقي (1 / 116) وضعفه، والدار قطني (ص 55)، وهو حديث ضعيف فيه ثلاث علل، انظر تحقيقها في “السلسلة الضعيفة” (959).
وإن صح – تنزلاً –: فهو عام، وحديث إيجاب الوضوء خاص.
- وقال بعضهم: إن المراد من قوله “توضئوا منها”: غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم!
والرد: أن هذا بعيد، لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا اللغوي، وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب.
- واستدل بعضهم بقصة لا أصل لها وخلاصتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فخرج من أحدهم ريح، فاستحيا أن يقوم بين الناس، وكان قد أكل لحم جزور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ستراً عليه !: من أكل لحم جزور فليتوضأ ! فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا!
والرد: قال الشيخ الألباني رحمه الله: لا أصل لها في شيء من كتب السنة ولا في غيرها من كتب الفقه والتفسير فيما علمت. ” السلسة الضعيفة ” (3 / 268).
والراجح في المسألة: أن الوضوء مما مست النار منسوخ. وأنه يجب الوضوء من لحوم الإبل.
قال النووي:
وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر ابن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي، وحُكي عن أصحاب الحديث مطلقا وحُكي عن جماعة من الصحابة.
واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم: قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه.
وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام. “شرح مسلم” (4 / 49).
وقال به من المعاصرين: الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني.
وينظر لمزيد الفائدة هذه الأجوبة: (242340، 14321، 177086، 36736).
والله أعلم.
تعليق