الحمد لله.
واسم "المسؤول" لم يثبت دليل
يدل على أنه من أسماء الله تعالى ، فلا يجوز أن يسمى الله تعالى بهذا الاسم ، ولكن
هل يجوز إطلاقه من باب الإخبار ؟ هذا فيه تفصيل:
أولا :
إن كان المقصود به أنه يخبر به عن الله تعالى أنه المسؤول بمعنى أن الخلق يسألونه
من فضله ورحمته ورزقه ، ويلجؤون إليه في قضاء مصالحهم وتفريج كروبهم ، فهذا معنى
صحيح ، وقد أخبر تعالى بما يدل عليه في كتابه العزيز في مثل قوله تعالى : (
يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن )الرحمن/
29.
قال ابن كثير في تفسيره (7 / 494) : " وقوله : ( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ
وَالأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ غِنَاهُ عَمَّا
سِوَاهُ ، وَافْتِقَارِ الْخَلَائِقِ إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْآنَاتِ، وَأَنَّهُمْ
يَسْأَلُونَهُ بِلِسَانِ حَالِهِمْ وَقَالِهِمْ، وَأَنَّهُ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي
شأن" انتهى.
وقال القرطبي في تفسيره (17 / 166): " قوله تعالى: (يسأله من في السماوات والأرض)
قيل: المعنى : يسأله من في السموات الرحمة، ومن في الأرض الرزق.
وقال ابن عباس وأبو صالح: أهل السموات يسألونه المغفرة ولا يسألونه الرزق، وأهل
الأرض يسألونهما جميعا.
وقال ابن جريج: وتسأل الملائكة الرزق لأهل الأرض، فكانت المسألتان جميعا من أهل
السماء وأهل الأرض لأهل الأرض" انتهى.
وقد دأب أهل العلم على
استعمال هذا اللفظ في مثل هذه السياقات .
قال ابن كثير في " البداية والنهاية" (14 / 234): " فالله هو المسؤول أَنْ يُحْسِنَ
الْعَاقِبَةَ" انتهى.
وقال الشيخ الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" (6 /
276): " والله هو المسؤول أن يحفظ علينا إيماننا، ويطهر قلوبنا من الحسد والغل
والكبر، إنه خير مسؤول" انتهى.
ثانيا:
أن يكون المقصود أن الله سبحانه وتعالى هو صاحب السلطة والتدبير للأمور ، فهنا أيضا
يصح الإخبار به عنه سبحانه ، في لغة من يستعملونه في مثل هذا المعنى ، ولا يوهم
عندهم نقصا ، ولا معنى فاسدا . فإنه سبحانه من يدبر الأمر ، قال تعالى : ( إِنَّ
رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ
ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ
بَعْدِ إِذْنِه ) يونس/ 3 ، وقال تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ . لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الزمر/
62، 63 ، قال البغوي في تفسيره (7 / 130): " ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء
وكيل) أي: الأشياء كلها موكولة إليه ، فهو القائم بحفظها. ( له مقاليد السموات
والأرض ) مفاتيح خزائن السموات والأرض" انتهى.
وقال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : " يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ
الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَرَبُّهَا وَمَلِيكُهَا وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهَا، وَكُلٌّ
تَحْتَ تَدْبِيرِهِ وَقَهْرِهِ وكلاءته" انتهى من "تفسير ابن كثير" (7 / 111).
فإن أوهم في عرف الناس : أنه
مسؤول ، كالمسؤولين في الدنيا ، وأن هناك ، ولو من حيث الصورة ، والبروتوكول الشكلي
، من "يسألهم" : يعني : يحاسبهم ، ويقتضيهم الحقوق والواجبات ، ويحاسبهم على
التقصير ، سواء كان السائل والمحاسب : هو "المسؤول" الأعلى منه رتبة ، أو كان هو
الشعب ، في زعمهم وقولهم .
نقول : متى أوهم الاستعمال في حق الله جل جلاله ، شيئا من هذه المعاني الفاسدة ، أو
غيرها من وجوه النقص ، والجرأة على مقام رب العالمين : لم يحل استعماله في حق الله
جل جلاله ، ولا الإخبار به عنه ، ويجب الاقتصار على ما ورد ، وصح معناه من غير شك ،
ولا تطرق وهم أو ظن .
وبهذا يتبين أنه متى كان
المقصود باستعمال لفظ "المسؤول" : أن الله تعالى يُسْأل عن شيء من أفعاله أو أقداره
، أو ما يحكم به على خلقه على سبيل المؤاخذة أو المحاسبة : فهذا معنى باطل ، بلا شك
، ولا يجوز استعمال ذلك اللفظ في حقه سبحانه ، على هذا الوجه الباطل ؛ تعالى الله
عن ذلك علوا كبيرا جل شأنه ، قال تعالى : ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ
يُسْأَلُونَ)الأنبياء/ 23 .
قال ابن كثير في تفسيره (5 / 337) : " وَقَوْلُهُ: ( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ
وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أَيْ: هُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ،
وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ،
وَعُلُوِّهِ وَحِكْمَتِهِ وَعَدْلِهِ وَلُطْفِهِ ، ( وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) أَيْ:
وَهُوَ سَائِلٌ خَلْقَهُ عَمَّا يَعْمَلُونَ، كَقَوْلِهِ: (فَوَرَبِّكَ
لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ
تَعَالَى: ( وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ) " انتهى.
وقال السمعاني في تفسيره (3 / 374): " قوله تعالى: ( لا يسأل عما يفعل وهم يُسْألون
) يعني: لا يسأل عما يحكم على خلقه ، والخلق يسألون عن أفعالهم وأعمالهم ، وقيل: لا
يسأل عما يفعل؛ لأنه كله حكمة وصواب، وهم يسألون عما يفعلون ، لجواز الخطأ عليهم،
وقيل: معنى لا يسأل عما يفعل: لا يقال له: لم؟ ، ولماذا؟ بخلاف الخلق" انتهى.
وقال الطحاوي في "متن الطحاوية بتعليق الألباني" (1 / 50): " قال الله تَعَالَى فِي
كِتَابِهِ: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الْأَنْبِيَاءِ:
23] . فَمَنْ سَأَلَ لِمَ فَعَلَ؟ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الْكِتَابِ ، وَمَنْ رَدَّ
حُكْمَ الكتاب كان من الكافرين" انتهى.
والله أعلم.