الحمد لله.
أولا:
إذا كانت أمك قد أعطت المال لزوج أختك ليعمل فيه ، والربح بينهما، فهذه شركة مضاربة،
وتستحق نصيبها المتفق عليه من الربح، ولا يسقط حقها في ذلك إلا إن تنازلت عنه
تنازلا صريحا.
فإذا كانت لم تتنازل عن الأرباح ، فحقها باق، ولا يؤثر سكوتها عن طلبه ، ولا كون
العقد شفهيا، ولا كون المبلغ كبيرا أو لا يملكه العامل الآن، بل يبقى دينا في ذمته
حتى يؤديه .
والمقرر عند الفقهاء أن الحقوق لا تسقط بالتقادم .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (24/ 9): " اتفق الفقهاء على أن الحق لا يسقط بالتقادم
، ولم يفرق جمهور الفقهاء في سماع الدعوى بين ما تقادم منها وما لم يتقادم ، وفرق
الحنفية بينهما ، فقالوا : إن لولي الأمر منع القضاة من سماع الدعوى في أحوال بشروط
مخصوصة لتلافي التزوير والتحايل . واختلف فقهاء الحنفية في تعيين المدة التي لا
تسمع بعدها الدعوى في الوقف ، ومال اليتيم ، والغائب ، والإرث ، فجعلها بعضهم ستا
وثلاثين سنة ، وبعضهم ثلاثا وثلاثين ، وبعضهم ثلاثين فقط ..." انتهى.
وينبغي التنبه للفرق بين سقوط الحق بالتقادم ، وسقوط الدعوى بالتقادم- عند بعض
الفقهاء-. فالحق لا يسقط بالتقادم ، ويبقى في ذمة صاحبه ، وأما الدعوى، فإذا طالت
المدة دون مطالبة، فإن العرف يقضي بكذبها، إلا إذا كانت بين أقارب وأصهار وشركاء،
فإن العادة جرت بالتسامح والسكوت ولو لسنين.
قال ابن القيم رحمه الله في "الطرق الحكمية" ص129: " وأما المرتبة الثالثة: فمثالها
أن يكون رجل حائز لدار متصرفا فيها السنين الطويلة بالبناء والهدم والإجارة
والعمارة، وينسبها إلى نفسه، ويضيفها إلى ملكه ، وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله
فيها طول هذه المدة ، وهو مع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقا، ولا
مانع يمنعه من مطالبته كخوف من سلطان ، أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع من المطالبة
بالحقوق ، ولا بينه وبين المتصرف في الدار قرابة ولا شركة في ميراث أو ما أشبه ذلك
مما تتسامح فيه القرابات والصهر بينهم، بل كان عريا من جميع ذلك ، ثم جاء بعد طول
هذه المدة يدعيها لنفسه ويزعم أنها له، ويريد أن يقيم بذلك بينة، فدعواه غير مسموعة
أصلا، فضلا عن بينته، وتبقى الدار بيد حائزها؛ لأن كل دعوى يكذبها العرف ، وتنفيها
العادة : فإنها مرفوضة غير مسموعة. قال الله تعالى: (وأمر بالعرف) وقد أوجبت
الشريعة الرجوع إليه عند الاختلاف في الدعاوي" انتهى.
ثانيا:
ينبغي كتابة العقود، لما في ذلك من المصالح ودرء المفاسد.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/135): "في التوثيق منفعة من أوجه :
أحدها : صيانة الأموال ، وقد أُمرنا بصيانتها ، ونهينا عن إضاعتها .
والثاني : قطع المنازعة ؛ فإن الوثيقة تصير حكَماً بين المتعامليْن ، ويرجعان إليها
عند المنازعة ، فتكون سبباً لتسكين الفتنة ، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه ؛ مخافة أن
تخرج الوثيقة ، وتشهد الشهود عليه بذلك ، فينفضح أمره بين الناس .
والثالث : التحرز عن العقود الفاسدة ؛ لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب
المفسدة للعقد ليتحرزا عنها ، فيحملهما الكاتب على ذلك ، إذا رجعا إليه ليكتب .
والرابع : رفع الارتياب ، فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ،
ومقدار الأجل ، فإذا رجعا إلى الوثيقة : لا يبقى لواحد منهما ريبة .
وهذه فوائد التوثيق بالتسجيل" انتهى.
ثالثا:
ينبغي إزالة الشحناء بين والدتك وزوج أختك، ونصح هذا الزوج بأداء الحق إليها إن
كانت لم تتنازل عنه ، وإن اتفقا على إسقاط بعضه ، والتيسير في سداد ما تبقى منه :
فحسن ، وينبغي مراعاة ما بينهما من الصلة ، وإذا لم يمكنك الصلح بينهما فوسطي من
أهل الخير والصلاح من يقوم بذلك.
فإن كانت هناك قرائن واضحة ، وقوية ، على أن أمك لم يكن لها غرض في الحصول على ربح
من هذا المشروع التجاري ، إنما غرضها مساعدة زوج ابنتها على إقامة مشروع يتربح منه
، ولها رأس مالها فقط : فليس لها ـ في هذه الحالة ـ أن تطالب بالربح ، لا سيما بعد
تصفية المشروع من أصله .
ومثل هذا النزاع : ينبغي أن يحضر فيه الطرفان ، بصورة مباشرة عند من يرتضيانه حكما
بينهما، والنصيحة أن يذهبا إلى المركز الإسلامي في مدينتكم ، ليعرضوا أطراف القضية
عليهم مباشرة ، ويحكمانه فيما بينهما .
والله أعلم.