الحمد لله.
وقد ورد عن كثير من السلف
أنهم نقشوا على خواتيمهم جملا متضمنة لاسمه تعالى، ذكر الحافظ في "الفتح" (10/328)
بعضها ، قال :
" أَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي " الْمُصَنَّف " عَنْ اِبْن عُمَر أَنَّهُ
نَقَشَ عَلَى خَاتَمه عَبْد اللَّه بْن عُمَر... وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة
عَنْ حُذَيْفَة وَأَبِي عُبَيْدَة أَنَّهُ كَانَ نَقْش خَاتَم كُلّ وَاحِد
مِنْهُمَا " الْحَمْد لِلَّهِ " . وَعَنْ عَلِيّ " اللَّه الْمَلِك " ، وَعَنْ
إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ " بِاَللَّهِ " ، وَعَنْ مَسْرُوق " بِسْمِ اللَّه " ،
وَعَنْ أَبِي جَعْفَر الْبَاقِر " الْعِزَّة لِلَّهِ " ، وَعَنْ الْحَسَن
وَالْحُسَيْن لا بَأْس بِنَقْشِ ذِكْر اللَّه عَلَى الْخَاتَم .
قَالَ النَّوَوِيّ : وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور ، وَنُقِلَ عَنْ اِبْن سِيرِينَ
وَبَعْض أَهْل الْعِلْم كَرَاهَته اِنْتَهَى .
وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن سِيرِينَ أَنَّهُ
لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَكْتُب الرَّجُل فِي خَاتَمه " حَسْبِي اللَّه "
وَنَحْوهَا .
فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَة عَنْهُ لَمْ تَثْبُت ، وَيُمْكِن الْجَمْع
بِأَنَّ الْكَرَاهَة حَيْثُ يُخَاف عَلَيْهِ حَمْله لِلْجُنُبِ وَالْحَائِض
وَالاسْتِنْجَاء بِالْكَفِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَالْجَوَاز حَيْثُ حَصَلَ
الأَمْن مِنْ ذَلِكَ ، فَلا تَكُون الْكَرَاهَة لِذَلِكَ ، بَلْ مِنْ جِهَة مَا
يَعْرِض لِذَلِكَ ، وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
ثانيا:
أما الحرز فإن كان المقصود به شيئا من القرآن أو من الأدعية، يتحرز الإنسان به من
العين وغيرها : فلا يجوز لبس الخاتم الذي كتب عليه الحرز؛ لأن ذلك من التمائم
المحرمة.
وقد روى أحمد (17458) عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَال: ( مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً
فَقَدْ أَشْرَكَ ) صححه الألباني في "صحيح الجامع ."
وروى أحمد أيضا (17440) عن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :( مَنْ تَعَلَّقَ
تَمِيمَةً فَلا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلا وَدَعَ
اللَّهُ لَهُ ) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
والتميمة : ما علق لدفع العين والوقاية من الآفات .
والودعة : واحدة الودع ، وهي أحجار تؤخذ من البحر يعلقونها لدفع العين ، ويزعمون أن
الإنسان إذا علق هذه الودعة لم تصبه العين ، أو لا يصيبه الجن .
والراجح تحريم لبس التميمة ولو كانت من القرآن.
وأما الطلاسم فلا ريب في تحريم لبس ما اشتملت عليه ، وهي من التمائم المتفق على
تحريم لبسها وتعليقها. ولا يؤمن أن تكون هذه الطلاسم فيها سحر أو تعوذ بالجن.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/212) : " اتفق العلماء على تحريم لبس التمائم إذا
كانت من غير القرآن ، واختلفوا إذا كانت من القرآن ، فمنهم من أجاز لبسها ومنهم من
منعها ، والقول بالنهي أرجح لعموم الأحاديث ولسدِّ الذريعة " انتهى .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: " ما حكم التميمة من القرآن ومن غيره؟
ج : أما التميمة من غير القرآن ، كالعظام والطلاسم والودع وشعر الذئب وما أشبه ذلك
: فهذه منكرة محرمة بالنص، لا يجوز تعليقها على الطفل ولا على غير الطفل; لقوله صلى
الله عليه وسلم: من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له
. وفي رواية من تعلق تميمة فقد أشرك .
أما إذا كانت من القرآن أو من دعوات معروفة طيبة، فهذه اختلف فيها العلماء، فقال
بعضهم : يجوز تعليقها، ويروى هذا عن جماعة من السلف جعلوها كالقراءة على المريض.
والقول الثاني : أنها لا تجوز ، وهذا هو المعروف عن عبد الله بن مسعود وحذيفة رضي
الله عنهما وجماعة من السلف والخلف قالوا: لا يجوز تعليقها ولو كانت من القرآن ،
سدا للذريعة وحسما لمادة الشرك وعملا بالعموم; لأن الأحاديث المانعة من التمائم
أحاديث عامة، لم تستثن شيئا. والواجب: الأخذ بالعموم فلا يجوز شيء من التمائم أصلا
؛ لأن ذلك يفضي إلى تعليق غيرها والتباس الأمر.
فوجب منع الجمي ع، وهذا هو الصواب لظهور دليله.
فلو أجزنا التميمة من القرآن ومن الدعوات الطيبة ، لانفتح الباب وصار كل واحد يعلق
ما شاء، فإذا أنكر عليه، قال: هذا من القرآن، أو هذه من الدعوات الطيبة، فينفتح
الباب، ويتسع الخرق وتلبس التمائم كلها.
وهناك علة ثالثة وهي: أنها قد يدخل بها الخلاء ومواضع القذر، ومعلوم أن كلام الله
ينزه عن ذلك، ولا يليق أن يدخل به الخلاء" انتهى من "مجموع الفتاوى والمقالات"
(1/51).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله :
" ما الحكم في تعليق التمائم؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
التمائم لا يخلو : إما أن تكون من القرآن ، أو من غيره .
فإن كانت من القرآن : ففيها خلافٌ بين أهل العلم من السلف والخلف، فمن العلماء من
يقول: إن تعليقها جائز ولا بأس به، وربما يستدل بقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ
أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ، ويجعل هذا من بركة القرآن : أن الله تعالى يرفع به العين
والشر ممن علقه.
وقال بعض أهل العلم من السلف والخلف: إن تعليقه محرم، وذلك لأن مثل هذه الأمور لا
يجوز إثباتها إلا بدليلٍ من الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة دليلٌ على أن
تعليق القرآن يكون نافعاً لصاحبه، وإنما ينفع من يقرؤه، وقد قال الله تعالى:
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُولُوا الأَلْبَابِ) . فنيل البركة من القرآن إنما يكون على حسب ما جاءت به
الشريعة، وهذا القول هو القول الراجح : أنه لا يجوز أن تعلق التمائم من القرآن على
الصدر، ولا أن تجعل تحت الوسادة وما أشبه ذلك .
ومن أراد أن يستشفي بالقرآن فليستشفِ به على حسب ما جاءت به السنة .
وأما إذا كانت التمائم من
غير القرآن من طلاسم لا يدرى ما معناه، أو كتابة ، كالنقوش لا تقرأ وما أشبهها :
فإنها محرمة، محرمة بلا شك، ولا يجوز للمرء أن يعلقها بأي وجهٍ من الوجوه؛ لأنها قد
تكون أسماء شياطين، أو أسماء عفاريت من الجن أو ما أشبه ذلك، والشيء الذي لا تدري
معناه لا يجوز لك أن تتناوله وتستعمله في مثل هذا الأمور" .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/2) ـ ترقيم الشاملة .