الحمد لله.
النوع الثاني: قسمة إجبار، وقد ذكرها بقوله: "وأما ما لا ضرر" في قسمته " ، ولا
رد عوض في قسمته ، كالقرية والبستان والدار الكبيرة والأرض" الواسعة " والدكاكين
الواسعة ، والمكيل والموزون من جنس واحد ، كالأدهان والألبان ونحوها : إذا طلب
الشريك قسمتها أُجبر " شريكه "الآخر عليها" ، إن امتنع من القسمة مع شريكه" انتهى
من "الروض الربع" (ص469) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (15/ 369): " كل مشترك بين
شخصين فأكثر ، لا ينقسم إلا بضرر أو برد عوض : فإنه لا ينفذ إلا برضا الشركاء كلهم؛
لأنه إذا كان فيها ضرر ، فلا يمكن أن يضار أحد إلا إذا رضي بالضرر على نفسه، وهو
عاقل بالغ رشيد، ولأنها إذا احتاجت إلى رد عوض ، صارت بمنزلة البيع ، لأن فيها عوضا
ومعوضا، والبيع لا بد فيه من التراضي.
فإذا قال قائل: ما هو الضرر؟ هل هو الضرر البدني أو الضرر المالي؟
اختلف الفقهاء في الضرر المانع من القسمة ، فقال بعضهم ـ وعليه كلام المؤلف ـ :
الضرر هو أن لا ينتفع أحدهم بنصيبه إذا قسم، سواء اختلفت القيمة أم لم تختلف .
وقال بعضهم: بل الضرر هو نقص القيمة بالقسمة...
والمذهب : أن الضرر المانع من الإجبار هو نقص القيمة بالقسمة، ولا يلتفتون إلى
الانتفاع وعدم الانتفاع...
قوله: كالدور الصغار الدور الصغار : ما لا تنقسم بلا ضرر، فإذا كان بيت فيه حجرة
نوم، وحجرة أكل، ومطبخ، والشريكان اثنان، وغرفة النوم عرضها متران، والطول متران
ونصف، والمطبخ متر في متر، وغرفة الطعام متران في مترين! فهذه الدار صغيرة لا يمكن
قسمها أبدا.
قوله: والحمام أيضا لا يمكن قسمه، كحمام مشترك بين دارين؛ لأن الغالب أن الحمام
صغير...
ولو كان بينهما سيارة فلا يجبر الممتنع على القسمة ؛ ... ولو رضيا بقسمتها فما
نوافقهما؛ لأنه لا يمكن قسمة السيارة إلا بإتلافها، وهذا سفه! فما الطريق إلى فك
الشركة؟ الطريق إلى فك الشركة أن تباع" انتهى.
وعلم بهذا : أن السبيل لفض هذه الشركة –حيث كان في القسمة ضرر- أن تباع العين
المشتركة من أرض أو دار أو سيارة، أو تؤجر.
فإن طلب أحد الشريكين البيع، أجبر الممتنع عليه، فإن أبى باع عليه الحاكم.
وإذا باع الحاكم لزم أن يبيع بثمن المثل، كما نصوا عليه في بيع الرهن على الراهن
لسداد دينه.
قال في "مغني المحتاج" (3/71) : " ( ولا يبيع العدل ) المرهون ( إلا بثمن مثله
حالاً من نقد بلده ) ، كالوكيل ، فإن أخل بشيء منها : لم يصح البيع ، لكن لا يضر
النقص عن ثمن المثل بما يتغابن به الناس ، لأنهم يتسامحون فيه " انتهى .
والعدل هو من يُحفظ عنده الرهن ، إذا اتفق الطرفان على جعل الرهن عند من يحفظه .
ثانيا:
ما ذكرت من قانون إزالة الشيوع، يتعلق به ثلاثة أمور:
الأول: قولك: " لأن قانون الفرز أو التقسيم يحدد مساحة معينة لم يبلغها هذا العشر"
فإن كانت هذه المساحة لا ينتفع بها، أو تنقص قيمتها بالقسمة، لم يجبر صاحبها على
القسمة كما تقدم.
وإن كان ينتفع بها ولا تنقص قيمتها أجبر على القسمة شرعا.
وإن رغب الشريكان في القسمة أو رغب فيها من عليه ضرر، فلا وجه لمنع القانون من ذلك.
فهذه النقطة فيها تفصيل، ينبني عليه الحكم على هذا القانون هل هو جائر أو عادل؟
الثاني: كون صاحب الجزء الأكبر يشتري نصيب صاحب الجزء الأصغر: إن حصل هذا
برضاهما فلا إشكال.
وإن لم يكن تراض، فهل يجبر أحدهما على البيع للآخر، أم يباع لغيرهما؟
في ذلك خلاف، وقد ذهب الحنابلة إلى أنه يباع لغيرهما.
قال في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 544): " ومن دعا شريكه إلى بيع فيها ، أي قسمة
التراضي: أجبر شريكه على البيع معه ، فإن أبى ، أي امتنع شريكه من بيع معه : بيع ؛
أي باعه حاكم عليهما ، وقسم الثمن بينهما على قدر حصتيها" انتهى.
وقال "اللبدي في حاشيته على نيل المآرب" (2/ 457): " قوله: "أجبر إلخ": أي إذا
دعاه لبيعه من غيرهما، وأما إن طلب منه أن يبيعه منه حقه : فلا يجبر. وكذا شراؤه أو
إجارته أو استئجاره منه، بل يباع أو يؤجر لغيرهما. وهذا كالصريح في كلامهم" انتهى.
والمالكية يجوزون بيعها لأحدهما، ولهم في ذلك تفصيل.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (3/ 239) : " للمالكية بها فضل عناية ، ولهم فيها مزيد
بيان ، وهذا موضع تفصيله :
ذلك أنهم ، تفريعا على ضرر القسمة حينئذ ، يجعلون للشريكين - وينوب القاضي عن
الغائب منهما ، فيمضي له ما يراه - الخيار بين شيئين :
1 - الإبقاء على الشركة ، والانتفاع بالعين مشتركة .
2 - بيع العين واقتسام ثمنها ، ومنه ، أو بمثابته : المزايدة عليها بعد رسو سعرها
في السوق ، (أو بعد تقويم خبير إن لم يرضوا السوق ) - وتسمى المقاواة - فمن رغب
فيها بأكثر أخذها ، وإذا استويا فالممتنع من البيع أولى بأخذها ، ثم على آخذها أن
يدفع لصاحبه مقابل حقه في ثمن الجملة ...
وحجة المالكية في الإجبار على البيع: القياس على الشفعة بجامع دفع الضرر في كل ،
والجماهير من حنفية وشافعية وكثير من الحنابلة يردونه بأن الأصل أن الجبر على إزالة
الملك غير مشروع ، لقوله تعالى : (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) ، فلا ينتقل عنه إلا بدليل ناقل ، وليس هنا هذا الدليل الناقل
، إذ القياس على الشفعة قياس مع الفارق ، فلو لم تشرع الشفعة للزم ضرر متجدد على
الدوام ، ولا كذلك البيع مع الشريك ، ولعله لذلك عدل ابن رشد الحفيد إلى الاستدلال
بمجرد الاستصلاح دفعا للضرر ، مع أن فيه إنزال ضرر بالشريك الممتنع ، فهي إذن
موازنة بين الضررين ، ألا تراه يقول : وهذا من باب القياس المرسل .
والحنابلة في معتمدهم يوافقون المالكية على إجبار الشريك على البيع مع شريكه ، بل
يطلقون القول بأن من دعا شريكه إلى البيع في كل ما لا ينقسم إلا بضرر ، أو رد عوض :
أجبر على إجابته ، فإن أبى بيع عليهما ، وقسم الثمن . ويزيدون أنه لو دعي إلى
الإجارة أجبر أيضا.
وقد ذهب كثير من الحنابلة إلى أن طلب البيع ليس حتما لإجبار الشريك على البيع مع
شريكه، بل يكفي طلب القسمة ; لأن حق الشريك في نصف القيمة لا في قيمة النصف ، فلا
يصل إلى حقه إلا ببيع الكل ، ولذا أمر الشرع في السراية أن يقوم العبد كله ، ثم
يعطى الشركاء قيمة حصصهم . " انتهى.
وما ذكره المالكية من بيع العين لأحد الشريكين، ومن المزايدة على العين بين
الشريكين –لو لم يرضيا بسعر السوق- فيأخذها من يدفع أكثر : وجيه.
وهذا ـ كما سبق ـ إذا كان كل منهما لا ينتفع بنصيبه إلا بضرر.
الثالث:
قولك: إن السعر يكون محددا من الدولة. فإن كان مساويا لسعر المثل في هذه المنطقة،
فلا إشكال.
وإن كان أنقص ، أو أزيد : كان ظلما للبائع ، أو المشتري ، بحسب الحال .