الحسين سيد شباب أهل الجنة، ولا ينتقص من قدره أنه اجتهد فأخطأ
كيف يكون الحسين سيد شباب أهل الجنة ، وكلنا يعلم خروجه على يزيد ، بل قد يكون هنالك نبي مات وهو شاب ، فكيف يكون الحسين سيدًا على نبي ؟
الجواب
الحمد لله.
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولا ريب ، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله
عليه وسلم في الحديث الصحيح ، في "مسند أحمد" (17/31) ، وذلك لما لهما من الفضائل
والمآثر، ولما قام فيهما من الديانة والأمانة، وما حملاه من أعظم الأخلاق ، وأكرم
الخلال التي تربيا عليها في بيت النبوة .
ولكن ذلك لا يعني تفضيلهما رضي الله عنهما على الأنبياء ، أو الخلفاء الراشدين ،
فالأنبياء في أعلى المقامات وأقربها عند الله سبحانه باتفاق العلماء ، وكل الأحاديث
التي جاءت بتفضيل الصحابة إنما يقصد بها تفضيلهم على طبقتهم ومن بعدهم ، وليس على
طبقة الرسل والأنبياء ؛ فهم في مقام خاص لا يشمله مقام الآخرين ، ولا يدخلون في
خطابه .
وهذا واضح ، لا إشكال فيه ، ولا ريب .
أما منازعة الحسين رضي الله عنه يزيد في الإمارة، فلا يجوز بحال من الأحوال عده
مطعنا في شخصه ، ولا إشكالا في فضائله ، وذلك لما هو معلوم ومتقرر من أن كون الرجل
من أهل الجنة لا يعني أنه ليس له اجتهادات يخطئ فيها الصواب ويكون له أجر واحد ، بل
لا يعني العصمة من الذنوب .
وهؤلاء الخلفاء الثلاثة (عمر وعثمان وعلي) وهم مقطوع لهم بالجنة ، وأنهم أفضل من
الحسين ومن كل من عداهم من الصحابة إلا أبا بكر ، ومع ذلك كانت لهم اجتهادات أخطؤوا
في بعضها ، أو فات الواحد منهم ما فاته من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وكانوا في هذا مجتهدين لهم أجر واحد .
ومن هذا المنطلق كان خروج الحسين رضي الله عنه إلى العراق وطلب الأمر لنفسه ، فإنه
كان يرى نفسه أحق بهذا الأمر وأن ولايته للمسلمين أصلح لهم دينا ودنيا من ولاية
يزيد ، فلذلك فعل ما فعل اجتهادا ، وهو من أهل الاجتهاد يعذر في خطئه ويؤجر، مع
إيماننا بحسن قصده وأهليته للأمر.
ثم هو قبل حصول القتال تبين الأمر له أنه سيكون مفسدة بلا مصلحة ، فتراجع عن طلب
الأمر لنفسه ، وطلب منهم إحدى ثلاثة أمور ولكنهم أبوا إلا إذلاله ، فلم يوافقهم على
ذلك ، وهو محق في أنفة الذل ، ورفض الدنية .
وبعد ، فتلك أمة قد خلت ، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ، وليس من شأن المؤمن الناصح
لنفسه أن يدخلها في تلك المضايق ، ويوردها تلك الموارد ، بل يحسن الظن بسلفه الكرام
، ويكون كما قال الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ
رَحِيمٌ ) الحشر/10 .
والله أعلم .