الحمد لله.
أولا :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ) رواه البخاري (4826) ومسلم (2246) .
والحديث له تفسيران مشهوران :
التفسير الأول :
نهي عن سب الدهر ؛ لأن الله تعالى هو خالق الدهر ومقدر أحداثه فسب أيامه ولياليه وما يقع فيه من مصائب وبلاء هو في حقيقته سب لمن قدّرها وخلقها وهو الله تعالى .
قال البيهقي رحمه الله تعالى :
" قال الشافعي في رواية حرملة: وإنما تأويله ، والله أعلم ، أن العرب كان شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت ، أو هرم ، أو تلف أو غير ذلك ، فيقولون: إنما يهلكنا الدهر ، وهو الليل والنهار .. فيقولون: أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر ؛ فيجعلون الليل والنهار اللذين يفعلان ذلك ، فيذمون الدهر ، فإنه الذي يفنينا ويفعل بنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تسبوا الدهر ) على أنه الذي يفنيكم ، والذي يفعل بكم هذه الأشياء ، فإنكم إذا سببتم فاعل هذه الأشياء فإنما تسبوا الله تبارك وتعالى ، فإن الله فاعل هذه الأشياء .
قال الشيخ: وطرق هذا الحديث وما حفظ بعض رواته من الزيادة فيه دليل على صحة هذا التأويل " انتهى من " السنن الكبرى" (7 / 131) .
التفسير الثاني :
أنه نهي عن سبّ الدهر لأنه اسم من اسماء الله تعالى ومعناه القديم الأزلي .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" والقول الثاني: قول نعيم بن حماد ، وطائفة معه من أهل الحديث والصوفية: إن الدهر من أسماء الله تعالى ، ومعناه القديم الأزلي .
ورووا في بعض الأدعية: يا دهر ! يا ديهور ! يا ديهار ! وهذا المعنى صحيح ؛ لأن الله سبحانه هو الأول ليس قبله شيء ، وهو الآخر ليس بعده شيء ؛ فهذا المعنى صحيح إنما النزاع في كونه يسمى دهرا بكل حال .
فقد أجمع المسلمون وهو مما علم بالعقل الصريح أن الله سبحانه وتعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان ، أو ما يجري مجرى الزمان ... " انتهى . "مجموع الفتاوى" (2 / 494) .
وينظر جواب السؤال رقم (9571) ورقم (131066).
ثانيا :
وعلى أي تفسير حمل الحديث السابق ؛ فإن مقولة " مزبلة التاريخ " لا تدخل في معنى الحديث ونهيه ؛ ولا يراد بها لا سب الزمان ، ولا سب الحياة ، ولا سب التاريخ أو عيبه ، إنما يراد بها سب الشخص المعين ، أو الطائفة المعينة ، أو من يقال عنه : إلى "مزبلة التاريخ" ؛ ومراد قائل ذلك :
أن التاريخ ، إن ذكر هذا الشخص المعين : فلن يذكر بخير ، وأعماله شر وسوء .
وإن وضعه في مكان : فسوف يضعه في أسوأ مكان يوضع فيه "شيء" ، وأرذله ، وهو "المزبلة" .
وهذا كله إنما هو من باب : مجاز القول ، وكناياته ، ويراد به : عيب الشخص المعين ، أو الطائفة ، كما سبق ، ولا علاقة لهذا أصلا : بذم التاريخ ، أو الزمان .
والحاصل ؛ أن مقولة " مزبلة التاريخ " لا يتناولها حديث النهي عن سب الدهر ؛ لأنها موجهة فقط لوصف أفعال البشر الدنيئة التي تقع تحت مسؤوليتهم وتصدر باختيارهم وارادتهم .
لكن يجب على قائل ذلك : أن يتنبه ، فلا يوقعها إلا على من يستحقها من الكفار ، وعتاة أهل الشر والبغي والطغيان ، ويحذر من التساهل فيها ، فيقع هو في البغي والعدوان ، أو الغيبة والبهتان.
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (143212).
والله أعلم .