الحمد لله.
أولا:
الموظف أجير خاص يستحق أجرته إذا سلم نفسه للعمل، وفرغ نفسه له في مدته.
فإذا لم يحضر إلى مكان العمل، فإنه لا يستحق الراتب، وعليه أن يرده إلى جهته إن أمكن، وإلا تصدق به أو وضعه في المصالح العامة التي تنفق عليها الدولة.
وكون التأخير جاء من الإدارة، فهذا ليس عذرا في غيابه، وكان عليه أن يحضر ولو بمفرده.
وينظر: جواب السؤال رقم (184722).
ثانيا:
لا يجوز للموظف استخراج الأجازة المرضية إلا إذا كان مريضا بالفعل، لما في خلاف ذلك من الكذب والتزوير منه ومن الطبيب الذي أعطاه الشهادة.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (99359).
لكن إذا كان الأمر كما ذكرت ، من الإدارة هي من تطالب الموظف بتبرير غيابه وإلا فصل من العمل، والواقع أنه إنما غاب لانتظار قرارها بالنقل، وهذا لا يمكن كتابته كعذر، وأنه ليس أمامه إلا تقديم عذر مرضي، فهذا يسوّغ له إحضار إجازة مرضية، لأن الكذب يجوز لدفع المفسدة وتحصيل المصلحة مع عدم الإضرار بالغير، - وقد قلنا: إن راتب هذه المدة لا يحل له وأنه عليه أن يتصدق به-.
قال ابن القيم رحمه الله في فوائد قصة الحجاج بن عِلاط رضي الله عنه: " ومنها: جواز كذب الإنسان على نفسه ، وعلى غيره ، إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير " انتهى من "زاد المعاد" (3/ 306).
وقصة الحجاج بن علاط رواها أحمد بإسناد صحيح ، وجاء فيها : عَنْ أَنَسٍ قَالَ :
( لَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ عِلَاطٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي بِمَكَّةَ مَالًا ، وَإِنَّ لِي بِهَا أَهْلًا ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آتِيَهُمْ ، فَأَنَا فِي حِلٍّ إِنْ أَنَا نِلْتُ مِنْكَ ، أَوْ قُلْتُ شَيْئًا ؟ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ ، فَأَتَى امْرَأَتَهُ حِينَ قَدِمَ فَقَالَ : اجْمَعِي لِي مَا كَانَ عِنْدَكِ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِيَ مِنْ غَنَائِمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ اسْتُبِيحُوا ، وَأُصِيبَتْ أَمْوَالُهُمْ .
قَالَ : فَفَشَا ذَلِكَ فِي مَكَّةَ ) الحديث .
وقال الخادمي في "بريقة محمودية" (3/178) بعد ذكر ما رخص فيه الشرع من الكذب في الحرب وللصلح بين الناس وبين الزوجين :
" ( وألحق بهذه الثلاثة ) بدلالة النص أو القياس : ( دفع ظلم الظالم ) ، كمن أخفى مسلما عن ظالم يريد ظلمه ، أو أخفى ماله وسئل عنه ، وجب الكذب بإخفائه ، وكذا نظائره .
والحاصل : أن الكلام وسيلة إلى المقاصد ، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب ؛ وإلا جاز الكذب .
ثم إن كان المقصود مباحا : فالكذب مباح ، وإن واجبا : فواجب ، كما نقل عن رياض الصالحين للنووي ، ويؤيده قاعدة للوسائل حكم المقاصد " انتهى.
والله أعلم.