الحمد لله.
أولا :
دين الإسلام دين الحنيفية السمحة ، فهو دين سهل ميسّر ، لا حرج فيه ولا تعنّت ، وقد كان فيمن قبلنا من بني إسرائيل تشديد ، ورهبانية ابتدعوها ، وشددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم .
فكانت النجاسة إذا أصابت ثوب أحدهم قرضه ، كما جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في صحيح البخاري (226) .
وديننا والحمد لله سهل ميسر ، وليس فيه إلا إزالة عين النجاسة .
فإن اختلطت النجاسة بشيء يمكن تطهيره منها، كالملابس ونحوها : وجب تطهيره ما خالطته النجاسة ، بالماء ونحوه من المطهرات .
وإن اختلطت النجاسة بشيء ، لا يمكن فصلها عنه ، كالماء والطعام ونحوه : فإن كانت أثر النجاسة في ذلك ظاهرا ، بحيث غير أوصاف ما خالطته : فقد صار هو الآخر متنجسا ، يجب اجتنابه .
وإن كانت النجاسة يسيرة ، لم يظهر أثرها فيما خالطته : فإنه يعفى عن يسير هذه النجاسات التي لم يظهر أثرها .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم (224923).
ثانيا :
أما تطهير اليد من الدم ، والفم من القيء ، فإن الواجب في إزالة النجاسة زوال عينها ، فإذا زال الدم فقد طهر المحل .
فكما لا يجب قص محل النجاسة من الثوب ، ويكتفى بغسله ، وإزالة النجاسة عنه ، فكذلك لا يجب إزالة الدهن من اليد إذا أصابته النجاسة .
ثم إن الزيت الذي على اليد لا اعتبار به إذا لم يكن جرما ، ولذا لا يعد مانعا من وصول الماء إلى الجلد ، كما سبق بيانه في فتاوى سابقة ، ينظر (39493) .
فما دام الأمر كذلك فتغسل اليد بالماء ليزول الدم عنها وينتهي الأمر .
وإن كان الدهن جرما بحيث يرى كالطبقة على الجلد ، كالمعاجين أو الدهانات الجامدة إذا لم تُعرك ، فإنه ينجس منه ما فيه أثر الدم ، فيزال ، وما ليس فيه أثره فلا يحكم بنجاسته .
وأما القيء فليس على نجاسته دليل صحيح صريح ، ولكن جماهير أهل العلم على القول بنجاسته .
وقال المالكية بطهارته إذا لم يتغير ، وقال بعض العلماء بطهارته مطلقا .
ينظر جواب السؤال (221751) .
وعلى القول بنجاسته ، فإن المضمضة منه مطهرة للفم ، ولا يجب إزالة بقايا الأطعمة من بين الأسنان ؛ لأنها وإن افترضنا أنها تنجّست بالقيء ، فقد طهرتها المضمضة .
وننبه السائلة إلى الحذر من الاسترسال وراء هذه المسائل التي يلقيها الشيطان على قلوب المؤمنين حتى يوقعهم في الوساوس يثقّل عليهم شرائع الإسلام ويصدهم عن دينهم .
والوسوسة والتكلفات : متى استحكمت من المرء أوشكت أن تفسد عليه أمره كله ؛ فالحذر الحذر من ذلك ؛ فما جعل الله علينا في الدين من حرج ، وقد بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالحنيفية السمحة .
والله أعلم .