الحمد لله.
أولا :
الأصل جواز التعامل مع اليهود وغيرهم من الكفار والمشركين بالبيع والشراء وغير ذلك ؛ لأن الأصل في المعاملات الحل .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم تعاملوا مع يهود المدينة، فعاملهم بالشراكة في مزارع خيبر، وبالبيع والشراء والقرض وغير ذلك من المعاملات ، حتى توفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي .
فعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ، ورهنه درعه ) البخاري (2509) ، ومسلم (1603) .
وفي رواية للبخاري (2916) ( تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، بِثَلاَثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ) .
قال ابن دقيق العيد :
"وفيه دليل على جواز معاملة الكفار ، وعدم اعتبار الفساد في معاملاتهم " انتهى من " إحكام الأحكام " (2 /145) .
وعمل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند يهودي ، حيث آجر نفسه منه؛ يسقي له كل دلو بتمرة ، أخرجه الترمذي (2473) وابن ماجة (2446) وغيرهما .
قال الألباني "وفيه حنش؛ واسمه: حسين بن قيس، وهو ضعيف، لكن له عند ابن ماجه شواهد" انتهى من "التعليقات الرضية" (2/442) .
فإن قيل إنّ هؤلاء كانوا ذميين أو معاهدين ، وسؤالنا عن الحربيين ؟
فالجواب أنه يجوز التعامل مع الحربيين أيضا ، وقد بوّب البخاري في صحيحه : "بَابُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْب "
وذكر فيه حديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ( بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً ؟ - أَوْ قَالَ: - أَمْ هِبَةً ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ ، فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً) رواه البخاري (2216) .
قَالَ بن بَطَّالٍ :
" الشراء والبيع من الكفار كلهم جائز، إلا أن أهل الحرب لا يباع منهم ما يستعينون به على إهلاك المسلمين من العدة والسلاح، ولا ما يقوون به عليهم " . انتهى من " شرح البخاري " (6/338) .
ثانيا :
أما عن قطع التعامل مع الشركات الإسرائيلية ؛ للضغط عليهم ، وانتصارا للمستضعفين من المسلمين القابعين تحت ظلمهم ، فنقول :
إن مَن رفض العمل مع شركات الكفار المحاربين ، وقصد بذلك لإضرار بهم، راجيا أن تتفشّى فكرة المقاطعة ، فيؤول الأمر إلى إضعاف اقتصادهم ، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على هذا القصد الحسن .
وتتأكد مشروعية مقاطعة شركاتهم وبضائعهم : عندما يتواطأ عليها الجمع الغفير من المسلمين بالعزيمة والاستمرار ، فحينئذ تكون مؤكدة لأنها حينئذ يتحقق بها النيل منهم ، وإغاظتهم ؛ كما قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) سورة التوبة : 120 .
ومن تعامل معهم متمسكاً بالأصل ، وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما إذا كان يصعب عليه أن يجد عملا مناسبا مع غيرهم – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى ، ولا يكون ذلك قدحاً في أصل الولاء والبراء في الإسلام .
وينظر جواب السؤال (20732) .
والخلاصة : يجوز لك البقاء في هذه الوظيفة ؛ ولو كان لها أو لمالكها تعاملات مع شركات إسرائيلية ، إلا أن يكون عملك في أمر يستعين به أهل الحرب على المسلمين كالسلاح وما أشبهه .
والله أعلم .