حكم إقامة مصلى؛ مكانه لا يبعد جدا عن المسجد

12-11-2019

السؤال 277161

أنا طالب أسكن في إحدى الإسكانات القريبة من الجامعة ، ويوجد في السكن مصلى لا يصلي به أحد ، وأغلبية الطلاب لا يذهبون للمسجد ؛ لأنه ليس بقريب ، ولا ببعيد جداً، فاقترح علي صاحب السكن أن نقيم الصلاة بالمصلى عوضاً عن الذهاب للمسجد لتشجيع الطلاب على صلاة الجماعة ، فهل يجوز إقامة جميع الصلوات بالمصلى عدا صلاة الجمعة دون الذهاب للمسجد ؟ وهل سنأخذ نفس الأجر ؟

الجواب

الحمد لله.

الأصل هنا : أن يُنظر في المسافة التي تبعدكم عن المسجد:

فإن كان المسجد يبعد عنكم بمسافة لا تسمعون منها عادة الأذان ، لو أذن المؤذن بدون مكبر صوت ، في الأحوال الساكنة التي لا ضجيج فيها؛ ففي هذه الحالة يُشرع لكم إقامة الجماعة في هذا المصلى.

أما إن كنتم تسمعون الأذان من المسجد بالصوت المجرد، فيلزمكم الصلاة في المسجد .

سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:

" إننا نبعد عن مسجد القرية، ولكننا نصلي جماعة في مكان اتخذناه مصلى لنا، فهل علينا شيء في عدم الذهاب إلى المسجد؟

فأجاب: إذا كنتم تسمعون النداء بالصوت المجرد من دون مكبر؛ لقربه منكم ؛ فإنه يلزمكم الذهاب والصلاة معهم...

أما إذا كان بعيدا عنكم عرفا ، يشق عليكم السعي إليه، ولا تسمعون النداء : فلا مانع أن تصلوا في محلكم، ولا حرج في ذلك " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (11 / 131 - 132).

ويدل لذلك ما رواه مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ:  هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ:  فَأَجِبْ  .

لكن مادام أنه ليس لكم سلطان على هؤلاء الطلاب؛ فمن باب تكثير الخير، والترفق بالناس لإقامتهم على مقتضى السنة، والأوامر الشرعية، ومراعاة حالهم من المنشط والمكره ؛ فالذي يظهر أنه لا مانع من تشجيع الطلاب على الصلاة ، لا سيما المفرطين منهم والمتكاسلين، وأن تتعاونوا معهم على إقامة صلاة الجماعة في المصلى ؛ فهذا بلا ريب أفضل من صلاتهم فرادى، وما يلحق ذلك من تأخير الصلوات عن أوقاتها أو عدم الاطمئنان في أدائها.

ولا حرج عليكم حينئذ ، في حضور الصلاة معهم ، لما في ذلك من تشجيعهم على الصلاة جماعة ، حتى وإن كانت صلاتهم جماعة في المسجد أزكى وأفضل، فإن صلاتهم في المصلى يحصل بها الجماعة، ويثابون عليها ثواب صلاة الجماعة إن شاء الله .

روى البخاري (647) ، ومسلم (649) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" :

قَوْله : ( فِي بَيْته وَفِي سُوقه ) مُقْتَضَاهُ : أَنَّ الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد جَمَاعَة ، تَزِيدُ عَلَى الصَّلَاة فِي الْبَيْت وَفِي السُّوق جَمَاعَة وَفُرَادَى ...

والظَّاهِر : أَنَّ التَّضْعِيف الْمَذْكُور مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِد .

وَالصَّلَاة فِي الْبَيْت مُطْلَقًا [أي جماعة أو فرادي] أَوْلَى مِنْهَا فِي السُّوق ، لِمَا وَرَدَ مِنْ كَوْن الْأَسْوَاق مَوْضِع الشَّيَاطِينِ , وَالصَّلَاة جَمَاعَةً فِي الْبَيْت وَفِي السُّوق أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَاد" انتهى بتصرف يسير .

 وإذا استطعتم ، من غير ضرر ولا أذى يلحقكم، أن ترتبوا لهم موعظة أسبوعية في هذا المصلى ، تستدعون لها بعض أهل العلم من مدينتكم ليعظهم ويذكرهم؛ فلعل بهذا تكونون قد حاولتم الإصلاح بحسب استطاعتكم، ونسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد.

والله أعلم.

أحكام المساجد صلاة الجماعة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب