الحمد لله.
الأصل هنا : أن يُنظر في المسافة التي تبعدكم عن المسجد:
فإن كان المسجد يبعد عنكم بمسافة لا تسمعون منها عادة الأذان ، لو أذن المؤذن بدون مكبر صوت ، في الأحوال الساكنة التي لا ضجيج فيها؛ ففي هذه الحالة يُشرع لكم إقامة الجماعة في هذا المصلى.
أما إن كنتم تسمعون الأذان من المسجد بالصوت المجرد، فيلزمكم الصلاة في المسجد .
سُئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" إننا نبعد عن مسجد القرية، ولكننا نصلي جماعة في مكان اتخذناه مصلى لنا، فهل علينا شيء في عدم الذهاب إلى المسجد؟
فأجاب: إذا كنتم تسمعون النداء بالصوت المجرد من دون مكبر؛ لقربه منكم ؛ فإنه يلزمكم الذهاب والصلاة معهم...
أما إذا كان بعيدا عنكم عرفا ، يشق عليكم السعي إليه، ولا تسمعون النداء : فلا مانع أن تصلوا في محلكم، ولا حرج في ذلك " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (11 / 131 - 132).
ويدل لذلك ما رواه مسلم (653) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: " أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ .
لكن مادام أنه ليس لكم سلطان على هؤلاء الطلاب؛ فمن باب تكثير الخير، والترفق بالناس لإقامتهم على مقتضى السنة، والأوامر الشرعية، ومراعاة حالهم من المنشط والمكره ؛ فالذي يظهر أنه لا مانع من تشجيع الطلاب على الصلاة ، لا سيما المفرطين منهم والمتكاسلين، وأن تتعاونوا معهم على إقامة صلاة الجماعة في المصلى ؛ فهذا بلا ريب أفضل من صلاتهم فرادى، وما يلحق ذلك من تأخير الصلوات عن أوقاتها أو عدم الاطمئنان في أدائها.
ولا حرج عليكم حينئذ ، في حضور الصلاة معهم ، لما في ذلك من تشجيعهم على الصلاة جماعة ، حتى وإن كانت صلاتهم جماعة في المسجد أزكى وأفضل، فإن صلاتهم في المصلى يحصل بها الجماعة، ويثابون عليها ثواب صلاة الجماعة إن شاء الله .
روى البخاري (647) ، ومسلم (649) عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" :
قَوْله : ( فِي بَيْته وَفِي سُوقه ) مُقْتَضَاهُ : أَنَّ الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد جَمَاعَة ، تَزِيدُ عَلَى الصَّلَاة فِي الْبَيْت وَفِي السُّوق جَمَاعَة وَفُرَادَى ...
والظَّاهِر : أَنَّ التَّضْعِيف الْمَذْكُور مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِد .
وَالصَّلَاة فِي الْبَيْت مُطْلَقًا [أي جماعة أو فرادي] أَوْلَى مِنْهَا فِي السُّوق ، لِمَا وَرَدَ مِنْ كَوْن الْأَسْوَاق مَوْضِع الشَّيَاطِينِ , وَالصَّلَاة جَمَاعَةً فِي الْبَيْت وَفِي السُّوق أَوْلَى مِنْ الِانْفِرَاد" انتهى بتصرف يسير .
وإذا استطعتم ، من غير ضرر ولا أذى يلحقكم، أن ترتبوا لهم موعظة أسبوعية في هذا المصلى ، تستدعون لها بعض أهل العلم من مدينتكم ليعظهم ويذكرهم؛ فلعل بهذا تكونون قد حاولتم الإصلاح بحسب استطاعتكم، ونسأل الله تعالى لكم التوفيق والسداد.
والله أعلم.
تعليق