الحمد لله.
من الهدي النبوي أن يقول المسلم عقب وضوئه، ما رواه عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عن عُمَرُ قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ رواه مسلم (234).
وأما الدعاء بعد الوضوء : فورد في ذلك حديثان، مختلف في صحتهما؛ هما:
الأول:
الزيادة الواردة في حديث عمر السابق، والتي رواها الترمذي (55): اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ .
وقد اختلف أهل العلم في صحتها:
فمنهم من ضعفها؛ ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث... " انتهى. "نتائج الأفكار" (1 / 241).
وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تحقيقه "سنن الترمذي" (1 / 83):
" كل الروايات التي ذكرنا ليس فيها ( اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ )، إلا في رواية الترمذي وحدها، ولا يكفي ذلك في صحتها، لما علمت من الاضطراب والخطأ فيها... " انتهى.
وذهب بعضهم إلى تصحيحها، ومن ذلك قول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" إسنادها صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم، غير شيخ الترمذي جعفر بن محمد بن عمران التغلبي، وهو صدوق كما قال أبو حاتم.
ثم إن لها شواهد من حديث ثوبان عند ابن السني رقم (30)، وابن عمر وأنس، كما ذكره البيهقي في "سننه" (1 / 78)، ولذلك جزم ابن القيم في "زاد المعاد" (1 / 69) بثبوت الحديث مع هذه الزيادة عن النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى. "تمام المنة" (ص 97).
الثاني:
ما رواه الإمام أحمد في "المسند" (32 / 345) وغيره، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ ، فَتَوَضَّأَ ، وَصَلَّى ، وَقَالَ: اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي، وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي ذَاتِي، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي .
وقد اختلف في صحته أيضا، كما اختلف في وقت ذكر هذا الدعاء ، وهل هو متعلق بالوضوء، أم بالصلاة، وقد سبق بيان هذا في الجواب رقم (272749).
وبناء على هذا؛ فإذا اتبع المسلم أهل العلم القائلين بصحة هذه الأدعية بعد الوضوء؛ فالظاهر أنه يشرع له رفع اليدين عند هذه الأدعية الخاصة الواردة، والأصل استحباب رفع اليدين عند الدعاء ، إلا ما دل الدليل على المنع منه ، وأنه خلاف السنة ، مثل دعاء الخطيب يوم الجمعة، على المنبر ، فالسنة له ألا يرفع يديه . ينظر جواب السؤال رقم 85171
قال النووي رحمه الله تعالى:
" قد ثبت رفع يديه صلى الله عليه وسلم في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء ، وهي أكثر من أن تحصر ، وقد جمعت منها نحوا من ثلاثين حديثا من الصحيحين ، أو أحدهما " انتهى. "شرح صحيح مسلم" (6 / 190).
وكما ثبت أنه من آداب الدعاء، وأسباب اجابته.
عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا رواه أبو داود (1488) والترمذي (3556)، وصححه الألباني، فقال: " حديث صحيح، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (877) ، والحاكم والذهبي " انتهى. "صحيح سنن أبي داود" (5 / 226).
لكن هذا الرفع كما ثبت في بعض المواضع، فقد ثبت عدم الرفع في مواضع أخرى، والمسلم مأمور بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله " انتهى. "تفسير ابن كثير" (6 / 391).
فمواطن الدعاء التي ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع فيها يديه : فيسن فيها الرفع، والمواطن التي ثبت أنه لم يرفع فيها، فلا يسن فيها الرفع.
والمواطن المطلقة ، التي لم يرد فيها ما يثبت الرفع وما ينفيه؛ فيستحب فيها الرفع ، عملا بالأصل السابق تقريره ، فإن الرسول صل الله عليه وسلم رغبنا في رفع اليدين عند الدعاء ، وجعل ذلك من أسباب الإجابة .
وينظر السؤال رقم (161736) ، (209241) .
والله أعلم.