الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

هل صح أن هذا الذكر ( اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي ) من أذكار الوضوء؟

272749

تاريخ النشر : 21-01-2018

المشاهدات : 207055

السؤال

هناك حديث صحيح لابن القيم ، وابن الملقن ، والنووي ، وغيرهم عند الوضوء : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول ويدعو : ( اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري ، وبارك لي في رزقي ) فقلت يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا ، قال : (وهل تركت من شيء ؟) . أنا أقول هذا الدعاء في الوضوء، فهل من السنة قول هذا الدعاء عند الوضوء ؟ فأنا أقول البسملة في أوله مع النية في القلب ، وأتشهد في آخره ، وأقول اللهم اجعلني من المتطهرين التوابين، وأرجو شرح الحديث لفهم المعنى الصحيح ، وفي أي وقتٍ يقال.

ملخص الجواب

ملخص الجواب :  أن الحديث مختلف في صحته ، والراجح ضعفه ، وعلى فرض صحته ، فقد اختلف أهل العلم في موضع الإتيان به ، على التفصيل المذكور في الجواب الكامل للسؤال .

الجواب

الحمد لله.

الحديث الذي ذكره السائل حديث مختلف في صحته ، والراجح ضعفه ، وبيان ذلك كما يلي :

أولا : تخريج الحديث ، والحكم عليه .

أخرجه أحمد في "مسنده" (19574) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (80) ، وأبو يعلى في "مسنده" (7273) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (29391) ، ومسدد في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (581) ، والطبراني في "الدعاء" (656) ، من طريق المعتمر بن سليمان ، قال سمعت عباد بن عباد بن علقمة ، عن أبي مجلز لاحق بن حميد ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري قَالَ: ( أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ ، فَتَوَضَّأَ ، وَصَلَّى ، وَقَالَ: ( اللهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي ، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي ) .

 وعند أحمد بلفظ :( اللهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي ، وَوَسِّعْ عَلَيَّ فِي ذَاتِي ، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي ) .

والحديث رجاله ثقات .

وقد اختلف أهل العلم في سماع أبي مجلز لاحق بن حميد من أبي موسى الأشعري رضي الله عنه .

فذهب النووي ، والذهبي ، وابن العماد ، إلى أنه لقي أبا موسى الأشعري .

قال النووي في "تهذيب الأسماء" (ص592) :" سمع لاحق هذا جماعات من الصحابة ، منهم ابن عمر ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأبو موسى الأشعرى ". انتهى

وقال الذهبي كما في "العبر في خبر من غبر" (1/99) :" لقِي كبارَ الصحابة كأَبي موسى
، وابن عباس ". انتهى

وقال ابن العماد في "شذرات الذهب" (1/128) :" لحق كبار الصحابة كأبي موسى وابن عباس ". انتهى

وذهب الحافظ ابن حجر ، ورجحه الشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص95) ، إلى أنه لم يسمع من أبي موسى رضي الله عنه .

قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/263) :" وأما حكم الشيخ ( يقصد الإمام النووي ) على الإسناد بالصحة : ففيه نظر ؛ لأن أبا مجلز لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن حصين ، فيما قاله علي بن المديني ، وقد تأخرا بعد أبي موسى ، ففي سماعه من أبي موسى نظر .

وقد عُهد منه الإرسال ممن لم يلقه ، ورجال الإسناد المذكور رجال الصحيح ، إلا عباد بن عباد ، وهو ثقة ، والله أعلم ". انتهى

وبناء على هذا الاختلافي سماع أبي مجلز ، من أبي موسى ، اختلف أهل العلم في صحة هذا الحديث :

فصححه النووي في "الأذكار" (ص29) ، وابن القيم في "زاد المعاد" (2/354) ، وابن الملقن في "البدر المنير" (2/279) .

وضعفه ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/263) ، والشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص95) .

والراجح – والله أعلم – ضعف الحديث ، وذلك لأنه لو فرضنا أن أبا مجلز سمع من أبي موسى ، فإنه مدلس ، وقد عنعن ، فلا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث .

قال ابن حجر في "طبقات المدلسين" (31) :" أشار بن أبي خيثمة عن ابن معين إلى أنه كان يدلس ، وجزم بذلك الدارقطني ". انتهى

ثانيا :

متى يقال هذا الذكر – على فرض صحته - ؟

اختلف أهل العلم في موضع الإتيان بالذكر :

فمنهم من يرى أنه من الأذكار المتعلقة بالوضوء ، إما في أوله عند التسمية ، وإما بعد الفراغ منه.

ومن هؤلاء النسائي حيث بوب عليه في "عمل اليوم والليلة" فقال :" ما يقول إذا توضأ " ، وابن الجزري حيث جعله في "عدة الحصن الحصين" (ص70) بعد التسمية في أول الوضوء .

ومن هؤلاء الهيثمي حيث بوب عليه في "إتحاف الخيرة المهرة" (1/341) فقال :" باب ما يقال بعد الوضوء " ، وجعله ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (239) ، والرملي في "نهاية المحتاج" (1/196) ، والمناوي في "فتح القدير" (2/139) مما يقال بعد الوضوء .

وأشار عبد الحق الإشبيلي إلى أنه يحتمل الأمرين : عند الوضوء ، أو بعد الفراغ منه . فقد بوب عليه في "الأحكام الكبرى" (3/513) فقال :" بَاب مَا يَقُول عِنْد الْوضُوء وَإِذا فرغ مِنْهُ ". انتهى ، والزرقاني حيث قال في "شرح مختصر خليل" (1/131) :" الأولى قوله فيه وبعده ". انتهى

ومن أهل العلم من يرى أنه مما يقال بعد الصلاة .

ومن هؤلاء الطبراني حيث بوب عليه فقال :" باب جَامِعُ أَبْوَابِ الْقَوْلِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ ".

وسبب الخلاف ، اختلاف الرواة في ضبط لفظ الحديث :

فرواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (29391) ، ومسدد كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (581) ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي وعارم أبو النعمان كما عند الطبراني في "الدعاء" (656) ، بلفظ :" عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:" أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ ، فَتَوَضَّأَ ، وَصَلَّى ، وَقَالَ .." .

وخالفهم محمد بن عبد الأعلى ، كما عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" (80) ، فرواه بلفظ :" قَالَ أَبُو مُوسَى: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَضَّأَ ، فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو .. ".

قال ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/263) :" وروينا هذه الزيادة في الطبراني الكبير من رواية مسدد وعارم والمقدمي كلهم عن معتمر ، ووقع في روايتهم فتوضأ ثم صلى .. " .

ثم قال :" وهذا يدفع ترجمة ابن السني حيث قال:( باب ما يقول بين ظهراني وضوئه ) لتصريحه بأنه قاله بعد الصلاة ، ويدفع احتمال كونه بين الوضوء والصلاة ". انتهى

ومن أهل العلم من جمع بين الأمرين ، فقرر أنه من أذكار الوضوء ، والصلاة أيضا .

وذلك لورود نفس الذكر من طريق أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ:( يَا رَسُولَ اللهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ ، فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أَنَّكَ تَقُولُ:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي " قَالَ: فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا ) .

أخرجه الترمذي في "سننه" (3500) ، وضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف سنن الترمذي" (3748) .

ومن هؤلاء ابن القيم حيث وضعه في "زاد المعاد" (2/353) تحت فصل " فِي هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَذْكَارِ الْوُضُوءِ " .

ووضعه كذلك في هديه في الصلاة (1/254) فقال :" وَكَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَيْضًا: ( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي ). انتهى ، وكذلك الإمام الشوكاني حيث قال في "تحفة الذاكرين" (ص182) بعد ذكره الروايتين :" فالحديث من أذكار الصلاة ، ومن أذكار الوضوء باعتبار مجموع الروايات ". انتهى

والراجح أنه مما يقال بعد الصلاة ، أو في الصلاة ، وليس من أذكار الوضوء ، وذلك لما يلي :

أولا : أن أكثر رواة الحديث ذكروا الصلاة ، بعد الوضوء ، كما تقدم .

ثانيا : أنه قد ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال يقول هذا الذكر بعد الصلاة ، كما في "مصنف ابن أبي شيبة" (3050) من طريق يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، قَالَ : كَانَ أَبُو مُوسَى إذَا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ ، قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي ) . والأثر صحح سنده الشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص96) .

ثالثا :

وأما معنى الحديث ، فهو كما يلي :

قال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغير" (3/102) :" ( اللَّهم اغفر لي ذنبي ) أصل الغفر : التغطية والستر ، أي غط ذنبي واستره ، بأن لا تعاقبني عليه ، فلا يظهر أثره ، حتى كأنه غطاء وستر .

فهما كناية عن عدم أثره ومحوه بالكلية.

( ووسع لي في داري ) الدار تعم دار الدنيا والآخرة والبرزخ .

فتوسيع دار الدنيا : الرضى بها ، والقناعة ، واتساعها للضيق .

ويحتمل أن يراد توسيعها حقيقة ، بأن يوسعها تعالى كذلك .

ودار البرزخ يجعلها واسعة برحمته ، وإدخال الروح والريحان ونحوه .

ودار الآخرة كذلك ، وغيره من الزلفى .

( وبارك لي في رزقي ) البركة : الزيادة والنماء ، وهو مطلوب للعبد في أرزاقه وغيرها ، أو بالرضا به والقناعة ". انتهى

والحاصل :

أن الحديث مختلف في صحته ، والراجح ضعفه كما تقدم .
وعلى فرض صحته ، فقد اختلف أهل العلم في موضع الإتيان به ، على ما مر تفصيله .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب